مع اشتداد الأزمة الاجتماعية في العراق، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية للنظام الرأسمالي ونظامه السياسي، تتصاعد موجة احتجاجات جماهير العمال والكادحين اثر تفاقم مآسيهم جراء الفقر والبطالة وانعدام الخدمات. إن الأشكال المختلفة لنضال العمال والموظفين والشباب والنساء التي تحدث يومياً في جميع أنحاء العراق انعكاس لهذه الأزمة.
ان هذه الأوضاع العامة انعكست وتجسمت في إقليم كوردستان بشكل وفي أجواء أشد وأصعب، بحيث عرضت حياة معظم السكان إلى درجة مخيفة من عدم الأمان الاقتصادي وانعدام الأمن.
إن النظام البرجوازي القومي الكوردي بإدارتيه الفاسدتين والناهبتين، ونظام الحزب الواحد المتمثل في الحزبين الميليشيين القمعيين، اللذين حافظا على وجودهما، منذ فترة طويلة، بقوة السلاح وقوة ميليشياتهما، أصبح كابوسا جاثما على صدور سكان هذا الاقليم. إن النظام القومي البرجوازي في المنطقة لا يحرم فقط العمال والموظفين والمعلمين والمتقاعدين من رواتبهم، ولا يدمر الخدمات العامة، ويصادر الحريات السياسية والمدنية والحقوق الفردية وحقوق المرأة فحسب، بل ويعزز باستمرار من قدرة قوى الإسلام السياسي والقوى الرجعية.
علاوة على كل ذلك، فقد طور هذا النظام الفساد بدرجة أنهك معيشة الناس، بحيث ان استمرار هذه السلطة نفسها تسبب في المزيد من الفقر والبطالة المتزايدة بين الشباب والشابات في هذا الاقليم. مجمل هذه المسارات دفعت بالمجتمع نحو مصير مجهول ورهيب.
وفي خضم هذا المأزق الخانق السياسي والاقتصادي والإداري والأيديولوجي للأحزاب الحاكمة في إقليم كوردستان وفي خضم عزلتها عن الجماهير وافتضاحها، تحولت الى أدوات لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية للإمبريالية الأمريكية والقوى الإقليمية، وخاصة النظام الإسلامي في إيران ونظام تركيا الأردوغاني. وأصبحت مركزاً لنقل الصراعات الجيوسياسية لهذه القوى إلى داخل هذا الإقليم.
منذ عدة أشهر، دخل الجيش التركي بمسافة عشرات الكيلومترات إلى حدود هذا الإقليم وبالتحديد في منطقة بهدينان أثر هجوم عسكري جديد، وبدأ ينفذ الغطرسة والطغيان من خلال هجمات عسكرية وإجرامية، وسط صمت وتجاهل تامين من قبل الحزب الحاكم في هذه المنطقة الحزب الديمقراطي الكوردستاني (البارتي)، ومنذ مدة طويلة تعمل الشبكات التجسسية لتركيا في الإقليم وتؤدي مهامها دون رادع، وتنفذ قواتها باستمرار جرائم إرهاب الدولة عن طريق الطائرات المسيرة في شوارع وأحياء المدن، وبالأخص ما حصل مؤخرا في محافظة السليمانية.
وينفذ النظام الإيراني سياساته وخططه باستمرار بمساعدة حكومة إقليم كوردستان وحزبيه الحاكمين، وخاصة الاتحاد الوطني الكوردستاني (اليكيتي)، ويوسع شبكاته الاستخباراتية على الدوام، ومتى ما أراد يقصف مناطق الإقليم بطائراته المسيرة أو بصواريخه، مباشرة من قبله أو من خلال المليشيات الموالية له في العراق، ويواصل اغتيال معارضيه السياسيين، ليس هذا فحسب، بل ويقوم، وبالتنسيق ومساعدة الأحزاب الحاكمة في إقليم كوردستان، باسترداد والقبض على معارضيه القاطنين في الإقليم ومن ثم سوقهم نحو السجون وأعواد المشانق.
وبذلك تحول حزبا السلطة في الإقليم، ومن أجل ديمومة قبضتهم على جماهير كوردستان، الى أدوات طيعة ذليلة لتنفيذ سياسات واستراتيجيات وخطط القوتين الإقليميتين والمدعومتين من قبل الحكومة المركزية في بغداد.
وفي هذه الأجواء، قامت قوات الأمن التابعة(لليكيتي) مؤخرا باغلاق مقرات (منظمة كوردستان للحزب الشيوعي الإيراني – كومه له ) في منطقة ( زركويز) بالقرب من مدينة السليمانية، حيث تتمركز (الكومه له)كقوة معارضة سياسية للنظام الإيراني منذ أكثر من ثلاثة عقود وتمارس نشاطها السياسي. وفي نفس السياق وبنفس الطريقة تم اغلاق مقرات منظمتين أخريين كانتا تتمركزان في محيط المنطقة المذكورة.
لقد أصبح الطغيان الميليشي والقمع وخرق القانون هو قاعدة الممارسة اليومية في كلتا المنطقتين الخاضعتين لسلطة (اليكيتي ) و ( البارتي) ويتم اتباع نفس الأسلوب حتى لقمع خصومهم الداخليين، ذلك الأسلوب المتبع والمعمول به طوال عمر الحركة القومية الكوردية ، واليوم يتم استخدام نفس هذه الطريقة بشكل ممنهج ومن دون خجل .
وفي يوم (٥) من هذا الشهر، هاجمت قوة كوماندوز تابعة لرئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني مركز (چاودێر) الثقافي الذي يديره (الملا بختيار)، العضو السابق في المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكوردستاني، واستولت عليه.
إن مسار الأزمة التي تمر بها الرأسمالية في العراق، وهذا الوضع المأساوي الذي يعيشه إقليم كوردستان، هو في الأساس أزمة تعميق الفوارق الطبقية والاستقطاب الطبقي للبروليتاريا ورأس المال على صعيد المجتمع والذي يتجسد ويتنامى باستمرار. إن هذا الواقع الطبقي هو الذي يتجلى بالفعل في النضال اليومي الجاري للعمال في جميع أنحاء البلاد وفي قلب المجتمع.
إن استمرار النظام السياسي في كل من كوردستان وبقية العراق يعمق هذه الأزمة يوميا ويزيد من رقعة المعاناة الناجمة عنها. ان الأزمة السياسية والمأزق الاقتصادي الذي تواجهه الحكومة في الإقليم، هو نفسه الذي تواجهه المعارضة القومية والتيارات البرجوازية الأخرى كذلك، فـ( (الشاسواريون) و( اللاهوريون ) و( التغيريون ) و ( الملا بختياريون ) هم أنفسهم جزء من هذا النظام ولا يمكنهم عمل شيء سوى التحايل على الجماهير وتوهيمها. ومن الواضح أن الحركات والأحزاب الإسلامية نفسها تمثل التجسيد المأساوي لهذا الاستقطاب الطبقي والبديل النيوفاشي لهذه الأزمة.
إن المخرج من هذا الوضع في إقليم كوردستان، هو توحيد صفوف النضال على أساس السياسة والنظرية والتنظيم الطبقي المستقل للعمال والنساء والشباب المناضل من أجل الحرية، وتبني وتنفيذ البديل الشيوعي بوجه رأس المال والرأسمالية ونظامها السياسي وأيديولوجيتها القومية والإسلامية والنيو ليبرالية. وكذلك اعتماد الاستراتيجية السياسية لنضال البروليتاريا الطبقي الموحد على صعيد العراق، والنضال الأممي للعمال والمناضلين من أجل الحرية في تركيا وإيران وعلى صعيد العالم.
تناشد (منظمة البديل الشيوعي) الجماهير في كوردستان إلى عدم السكوت إزاء الأجواء العسكرية والقمعية التي خلقها (اليكيتي) و(البارتي) والقوى الإقليمية في كوردستان، وتناشد الطبقة العاملة والكادحين في ايران وتركيا الى توحيد النضال والضغط على دولهم وإجبارها على إيقاف أنشطتها العسكرية والإرهابية والتجسسية في إقليم كوردستان والكف عنها. و في الوقت نفسه تدين بشدة، الضغوط والغطرسة التي مارسته قوات ( اليكيتي) مؤخرا على مقرات الـ( كومه له ) والاستيلاء على مركز (چاودێر).
منظمة البديل الشيوعي في العراق
١٠ أيلول ٢٠٢٤