تعديل قانون الأحوال الشخصية 188! لماذا؟ الإسلام السياسي  والرعب من الثورة البروليتارية

مؤيد احمد

منذ  فترة  وان تيارات وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي الحاكمة في العراق وتحديدا تلك المتحالفة والمتكتلة في “الاطار التنسيقي” منهمكة بكل قواها في إحياء مشروع قانون الجعفري الذي طرحه عام 2004 عبدالعزيز الحكيم، والد رئيس تيار الحكمة الحالي، عمار الحكيم، وذلك في ثوب جديد وباسم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية الرقم 188 لسنة 1959.

يوم  16 من الشهر الحالي تمت القراءة الثانية للمشروع في البرلمان عبر صفقات واحابيل برلمانية متبعة روتينيا في النظام السياسي القائم ما بعد 2003، متجاهلا تماما الاحتجاجات الواسعة وموجة استياء وغضب الجماهير العارمة ضده. وبذلك خطت هذه التيارات وحلفائها خطوة اخرى على مسار تنفيذ تعديل القانون وبالتالي الاقدام على ارتكاب جريمة كبيرة بحق نساء وأطفال العراق.  

ان الشخص الذي بادر نيابة عن “الاطار التنسيقي” بطرح المشروع هو برلماني اسمه (رائد المالكي) ذو تاريخ سيئ في الحياة السياسية الحديثة في العراق؛ وهو من اوساط قوى الثورة المضادة الإسلامية ممن خانوا اهداف انتفاضة أكتوبر 2019 وقضية اكثر من 800 منتفضة ومنتفض، قتلوا نتيجة قمع السلطات وميليشياتها، والذين صعدوا الى البرلمان الحالي تحت اسم “المستقلين”.

 هناك أسئلة وتساؤلات كثيرة تطرح بخصوص مشروع تعديل القانون منها: لماذا كل هذا الالحاح من قبل تيارات وأحزاب الإسلام السياسي وبالأخص “الاطار التنسيقي” على امرار هذا المشروع؟  ولماذا  اليوم بالذات؟ وما هي مصالح هذه القوى في امرار هذا التعديل في وقت يمر البلاد والمنطقة بأزمة سياسية واجتماعية كبيرة؟

ان الجواب الاكثر شيوعا هو ان قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 النافذ حاليا عُقدة أيديولوجية وسياسية بالنسبة لتيارات الإسلام السياسي الشيعي، فلا يمكنه كتيار سياسي حاكم في البلاد، ان يبقى ساكتا تجاهه وذلك لان ابداله بالشريعة الجعفرية او تعديله سيشدد من استرقاق النساء والأطفال الذي يشكل احد اهم اركان الإسلام السياسي لبسط  سيطرته على الجماهير، ولترسيخ الطائفية التي هي الأخرى احد اركانه الذي يعيش عليه.

 ولربما تتم تكملة هذا الجواب من قبل البعض بالتأكيد على ان الغرض من المشروع هو تكتيك سياسي لإلهاء الناس وإبعاد انظارها عن المشقات الاقتصادية والازمة الاجتماعية التي تعاني على اثرها معظم الجماهير، او قد  يذهب الآخرين الى القول بان الغرض من التعديل هو التلويح مهددا بسيف القانون الجعفري للتغطية على  فضائح مالية جديدة مكشوفة من النهب والسرقات من قبل قوى الإسلام السياسي الحاكمة.

فقد تطول اصناف هذه الأجوبة التي هي موضوعية بالأساس وتشير الى العداء الفطري الصارخ للإسلاميين  ضد النساء، او تتناول  الامتيازات التي توفرها امرار هذا التعديل لشرائح اجتماعية معينة من داخل منظومة الملالي والفقهاء وصف طويل من أصحاب المال الذين يحتاجون الى اشباع رغباتهم الجنسية واطلاق أيديهم للزواج الثانية والثالثة والرابعة وغيرها من الفضائح والجرائم بحق النساء. وأخيرا وليس آخرا، هناك الحديث عن كون  طرح مشروع  التعديل مرتبط بمصالح انتخابية للأحزاب الإسلامية في كسب الأصوات المحافظة داخل اوساط الجماهير في الانتخابات القادمة.

لا شك، ان كل جواب من هذه الأجوبة له مبرره موضوعيا ويعبر في الحقيقة عن وجه من أوجه هذه السياسة والمساعي لتعديل القانون، ولكن الواقع هو ان هذه الأجوبة لا تذهب ابعد من دائرة أيديولوجيا الإسلام السياسي وسياساته التكتيكية وآليات ترسيخ حكمه كتيار حيث تظل في البنيان الفوقي  دون الوصول الى الجوهر والأساس المادي الاقتصادي-الاجتماعي وبالتالي الاستراتيجي لهذه السياسة؛ أي تبقى دون تشخيص ونقد المصالح الطبقية الرأسمالية والاستراتيجية السياسية الطبقية البرجوازية التي تمثلها هذه السياسة وتقف ورائها.

ان حصر النقد في فلك السياسة والايديولوجيا والممارسات والتكتيكات السياسية لتيارات الإسلام السياسي الحاكمة التي تحمل ايديولوجيا إسلامية طائفية، والدوران في اطار هذه المفاهيم والتصورات وآليات إعادة انتاج سيطرة هذه التيارات بدون ربطه بالأساس المادي الطبقي واعطائه مضمون ومحتوى سياسي طبقي بروليتاري  واثرائه بهما، يجعل النقد محصورا في اطار النقد البرجوازي الليبرالي-العلماني والمدني، ونقد النسوية الليبرالية لهذه السياسة. وهذا ما يحيل دون تبني رؤية سياسية وفكرية بروليتارية واضحة ودون تجسيد النقد الاشتراكي البروليتاري تجاه ما تطرحها البرجوازية الحاكمة من سياسات واستراتيجيات وبالتالي سيشارك في  اضعاف التصدي الثوري لهذه السياسة وحتى اضعاف الحركة الحالية المعارضة بوجه  تعديل القانون.  

النقد الماركسي وموقع الإسلام السياسي الطبقي

ان اول متطلبات النقد الماركسي لهذه السياسة والهجمة العدائية للإسلامين بالضد من نساء وأطفال العراق هو ان يكون نقدا ماديا، وبالتالي، نقدا طبقيا، ومن موقع البروليتاريا والشغيلة والنساء المضطهدة. ان كشف جوهر وماهية هذه السياسة وهذا الإصرار على امرار مشروع التعديل يستلزم  تبيان الأساس المادي الذي يملي على  الإسلاميين  طرح مشروع كهذا، وعلاقته بالنضال الطبقي ومآل الثورة البروليتارية الاشتراكية  في العراق والمنطقة.

قد يبدو ذلك الاستنتاج غريبا للبعض معتبرا إياه “اختزالية” اقتصادية -طبقية، وابتعادا عن جوهر الموضوع الذي هو قمع المرأة والأطفال وترسيخ الطائفية من خلال اجراء هذا التعديل. وقد يعتبرونه اغفالا “للواقع” الذي هو، حسب اعتقادهم، ان حكم الإسلاميين يعني حكمهم كإسلاميين، وليس ِشيئا آخرا سوى ذلك. وهذا يعني وبالنسبة لهم ان الإسلاميين ليسوا سياسيو طبقة اجتماعية معينة التي هي البرجوازية، بل هم  ايديولوجيون وسياسيون طائفيون وميليشياتيون متخلفون ورجعيون خارج الطبقات، وكأنهم معلقين في السماء خارج البيئة المادية الاقتصادية والاجتماعية التي نشأوا عليها ويديمون حياتهم ارتباطا بها. 

ان قليلا من التمعن يبين عدم صحة هذه الانطباعات الغريبة ويبين ان الناشط الإسلامي السياسي هو سياسي إسلامي لكونه هو وقبل كل شيء سياسي برجوازي، وليس العكس، وهو المدافع  عن راس المال والملكية الرأسمالية ويدخل الساحة السياسية بوصفه كذلك، أي بوصفه مدافعا عن المُلكية الرأسمالية وأركانها “الدينية” و”الأخلاقية” ومتطلباتها القمعية بوجه الطبقة المضطَهدة.

واذا اردنا ان نوضح كل ذلك اكثر، نقول ان تيارات الإسلام السياسي باتت تدخل الحياة السياسية للمجتمعات المعاصرة  لكونها تؤدي مهمة سياسية طبقية رأسمالية، او بعبارة أخرى، انها تيارات برجوازية ذات مهمة خاصة؛ وهي الحفاظ على الرأسمالية والمصالح العامة  لراس المال أي المصالح العامة للبرجوازية كطبقة بوجه البروليتاريا الاشتراكية. وهذا تماما عكس الاعتقاد الذي يصور الإسلام السياسي كأنه تيار سياسي أيديولوجي إسلامي صرف يديم حياته خارج الطبقات، أي الاعتقاد الذي يغض النظر عن واقع وهو ان مصالح راس المال العامة وضرورة الحفاظ على  الرأسمالية وحمايتها بوجه الثورة الاشتراكية، في عهد الرأسمالية الامبريالية المعاصرة المتأزمة والمليئة بالتناقضات، هي التي جعلت ولاتزال تجعل هذه التيارات الإسلامية  تحتل مكانا في قلب النظام الرأسمالي العالمي والصراع الطبقي العالمي بين العمل ورأس المال.

وبناء على ذلك، فان تيار الإسلام السياسي  انطلق الى عالم السياسة والصراع الطبقي وهو وليد نوعي، وذو مهمة طبقية برجوازية عامة مكلفة نفسها بها وهي؛ تمثيل المصالح السياسية العامة لراس المال بوجه الطبقة العاملة والفئات المحرومة من الملكية ونضالها الاشتراكي، أي تأدية دوره المرتبط بالاستراتيجية السياسية العامة للبرجوازية في الصراع الطبقي داخل المجتمعات وليس مجرد تأدية دوره كممثل لمصالح كتلة معينة من البرجوازية. وهذا بدوره يؤدي بنا الى الاستنتاج بان تيار الإسلام السياسي لم يكسب الطابع الطبقي البرجوازي لنفسه كحركة وكتيار من خلال عملية تراكمية تدريجية تحول فيها قادة احزابه وناشطيه وممثليه، في السلطة كانوا او خارجها، الى فئة برجوازية كي يلعبون هذا الدور السياسي الاستراتيجي الطبقي البرجوازي، بل اتسم بهذا الطابع منذ نشوئه.

ومن الضروري هنا التمييز بين الإسلام السياسي كحركة اجتماعية وتيار سياسي برجوازي وكائن نوعي وبين المادة الإنسانية والبيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية، من ضمنها التقاليد والسنن الرجعية والعقائد الدينية والمذهبية والطائفية الموجودة في مجتمع ما وبلد ما، تساعد على نمو هذا التيار وترعرعه في احضانها. ان الوجود النوعي للإسلام السياسي والتضلع بدوره في الحفاظ على النظام الرأسمالي لا يعني انفصاله عن البيئة التي نمى فيها ، انما، على العكس من ذلك، يعني انماء ارتباطه بهذه البيئة وإعادة انتاجها على مستوى اعلى واكثر اتساعا ودمارا من ذي قبل.  وهذا ما نراه ونلمسه تجريبيا في عالم اليوم؛ في أي مكان قد وصلت ايدي الإسلام السياسي اليه واستولى على السلطة.

كما وان اضطلاعه بدوره كحامي راس المال والنظام السياسي البرجوازي الامبريالي نلمسه بشكل تجريبي ونراه  في دعم البرجوازية الامبريالية العالمية لهذا التيار وتحالفها معه كأحزاب وانظمة وكتقاليد سياسية نيو فاشية جاهزة لإداء هذا الدور الرجعي المضاد للثورة. ان دعم الامبريالية الغربية لـ “الخميني” والاسلامين بوجه الثورة في ايران سنة 1979، ودعم “المجاهدين” والقاعدة والطالبان في أفغانستان،  ومن ثم الداعش والقوى الأخرى الإرهابية لتنفيذ سياساتها، شواهد بينة على هذا الدور الذي يلعبه الإسلام السياسي.

بالإضافة الى ذلك، فان تحالف الامبريالية العالمية، ليست الغربية فقط، مع تيارات الإسلام السياسي والقوميين الإسلاميين الحاكمة في جملة من البلدان، واندماج الأخيرة معها، وعشرات الأمثلة من تقوية هذا القوة الرجعية لتحقيق سياسات الامبريالية في بلدان الشرق الأوسط والعالم العربي هي الأخرى شواهد قاطعة على هذا الارتباط العضوي والاستراتيجي السياسي للإسلام السياسي بالبرجوازية العالمية ومصالح راس المال وحمايته. وأخيرا، فان تحالف أمريكا والامبريالية الغربية مع تيارات الإسلام السياسي الشيعي في العراق، لا بل وحتى إرساء النظام السياسي الاسلامي الطائفي والقومي في البلاد بعد حربها على العراق واحتلاله عام 2003، تجسيد لهذا الارتباط العضوي والاستراتيجي بين الطرفين.

وهذا يصل بنا الى نقطة أخرى وموضوع آخر متصل وهو ان الموقع الذي تحتله والدور الذي تلعبه تيارات الإسلام السياسي، في ميدان الصراع الطبقي داخل المجتمعات، يتحددان ويتبلوران ضمن نفس  ميادين هذا الصراع ومساره وديناميكيته، وبالتالي يتحددان من خلال الموقع البرجوازي المدافع عن الرأسمالية التي تتخذه هذه التيارات ودورها في هذا الميدان بالذات كإحدى بدائل البرجوازية بوجه الثورة الاشتراكية أي كبديل على مستوى النظام السياسي والايديولوجي الفاعل بوجه البروليتاريا وثورتها الاشتراكية. وهذا ينطبق على جميع أنماط الإسلام السياسي بأجنحته المختلفة وتياراته الإرهابية والنيو فاشية المتنوعة، والتيارات الإسلامية الشيعية والسنية “الرسمية” الحاكمة و”المعارضة”، المعترف بها من قبل النظام الدولي البرجوازي.

ان الانشغال بتفاصيل تصنيف القاعدة الاجتماعية لهذه التيارات الاسلامية واجنحتها المختلفة وتعداد تشكيلة هذه القاعدة من الطبقات والفئات الاجتماعية المؤلفة منها وتصفيفها على نمط ماوسيتونغ واليسار الشعبوي  ليس بالمنهج الماركسي في التحليل ولا يصل بالشيوعي الثوري الى تحديد المحتوى السياسي والسمة الأساسية للإسلام السياسي ودوره السياسي الاستراتيجي  بوجه البروليتاريا وثورتها التحررية. المطلوب بالدرجة الأساس  بالنسبة للشيوعي تحديد موقع الإسلام السياسي الطبقي  في اطار كلية الصراع الطبقي والنضال بين الطبقات الدائر حول مصير المجتمع السياسي وتبني الخط الاستراتيجي الطبقي البروليتاري والاشتراكي بوجه هذه التيارات. ان بحث وتحليل تفاصيل القاعدة الجماهيرية للإسلام السياسي ضرورية من اجل تبني التكتيك السياسي المشخص الثوري الصحيح والمؤثر من قبل الشيوعيين الثوريين من اجل مواجهة هذه التيارات الإسلامية محليا كان او إقليميا، وهذا من اجل نشر الوعي السياسي البروليتاري الطبقي المستقل داخل أوساط جماهير الشغيلة والكادحين التي تشكل أكثرية هذه القاعدة الاجتماعية والنضال من اجل خلاصها من اوهامها بهذه التيارات وبهدف كسب الاستقلال الطبقي السياسي والتنظيمي البروليتاري. لنتناول مثال القاعدة الاجتماعية لجناحين من اجنحة  تيار الإسلام  السياسي الشيعي في العراق وهما  التيار الصدري و” الاطار التنسيقي” لربما يساعدنا على توضيح المسألة. 

ان التيار الصدري له قاعدة اجتماعية داخل البرجوازية الكبيرة والمتوسطة وبالدرجة الاساس داخل البرجوازية الصغيرة المتدهورة اقتصاديا والشغيلة والفقراء والمحرومين في المدن والأرياف. وبالمقابل، فان تلك القوى المجتمعة في “الاطار التنسيقي” والتي تحكم البلاد حاليا هي من اكثر التيارات والاجنحة معزولة عن جماهير العمال الكادحين والمفقرين، وان معظم قاعدتها الحزبية مؤلفة من العناصر المتمكنة والبرجوازية الكبيرة الرجعية والعشائرية والزبائينية، ولكنها تحكم البلاد وتؤدي مهمتها الطبقية البرجوازية العامة كما كان الحال مع التيار الصدري اثناء تحكمه بزمام الأمور قبل هذه الدورة البرلمانية.  

وعليه فان معرفة موقع ودور هذه التيارات السياسي والاجتماعي في ساحة الصراع الطبقي امر ممكن فقط عبر تحديد وتشخيص الموقع الطبقي لهذه التيارات واحزابها وقادتها وكوادرها و برامجها في قلب نفس هذا الصراع الجاري بين البروليتاريا والبرجوازية ومدى تمثيل هذه التيارات للمصالح العامة للبرجوازية كطبقة وللرأسمالية كنظام بوجه البروليتاريا الاشتراكية وهذا يعني البحث عن دورها ووظيفتها في مواجهة الثورة الاشتراكية في كل بلد وعرقلة تطورها.

وهكذا، وكما اكدنا مما سبق انه من الخطاء الخلط بين القاعدة الجماهيرية البروليتارية لقسم من هذه التيارات وموقع هذه التيارات السياسي والخط السياسي لقادتها وبرنامجها السياسي والأيديولوجي الفاشي بالضد من الشيوعية وتحرر الانسان. ان من يبرر من أوساط اليسار، بمن فيهم قسم من اليسار في الغرب، للإسلام السياسي على أساس نفوذه الاجتماعي في أوساط الكادحين انما يغض الطرف عن هذه الفاشية المشبعة بروح العداء للشيوعية ولتحرر الطبقة العاملة والنساء من الاستعباد، ولا يليق هذا النوع من التبريرات سوى بالحركات القومية التي تتحدث لفظا بالاشتراكية ويدافع فعلا عن كل ما هو رجعي لخدمة آفاقهم وسياستهم القومية والإسلامية- القومية البرجوازية المنحازة للإسلام السياسي.

ان نقد السياسات البرجوازية الإسلامية بشكل منفصل عن دورها فيما يخص الاجهاز على الحركة السياسية  البروليتارية المستقلة والشيوعية والثورة الاشتراكية، يبقى نقدا صوريا بعيدا عن الحقيقة، وفي التحليل الأخير سيكون نقدا في اطار الأفق السياسي البرجوازي والنظرة البرجوازية وتياراتها القومية والليبرالية والعلمانية، للعالم.

فان سياسة تيارات الإسلام السياسي الشيعي في العراق في فرض المزيد من الاسترقاق على النساء والأطفال في العراق عبر تعديل قانون الأحوال الشخصية ذات صلة مباشرة بشل الطاقة الثورية للبروليتاريا في العراق وشق صفوفها عبر قوانين الدولة واستخدام  كامل قوة الدولة القانونية في تعميق وتوسيع هذه التفرقة والشقاق، على أساس التمييز والاضطهاد وفقا للجنس، الموجودة حاليا بين صفوف هذه الطبقة، وإعادة انتاجها بشكل اكثر شمولا وفتكا بحيث تجعل  هذه الطبقة تعاني  من وطأتها لعقود من الزمن اذا لم تستطع رميه بنضالها الثوري الى مذبلة التاريخ. ان توسيع رقعة الطائفية على صعيد المجتمع والمزيد من تمزيق النسيج الاجتماعي والمدني لسكان البلاد اثر امرار هذا التعديل سيكون نتائج عرضية لهذه الاستراتيجية السياسية الرجعية لضرب الحركة العمالية والاشتراكية وعرقلة تنامي ابعاد الازمة الثورية في البلاد.

اليوم وبعد اكثر من عشرين سنة من ادامة العملية السياسية والنظام الإسلامي والقومي الحاكم في العراق  فان هذه التيارات ورغم انها تشكل  فئة برجوازية  من مجموع الطبقة البرجوازية في العراق  وكتلة سياسية برلمانية ذات ميليشيات والتي أسست نفسها من خلال الفساد المالي والإداري و نهب ثروات المجتمع  كفئة برجوازية كبيرة الا انها ومن حيث الوظيفة الاجتماعية والطبقية التي يؤدونها فأنها تمثل المصالح العامة للبرجوازية و مصالح حركة راس المال في العراق.  اذا اخذنا بنظر الاعتبار الاختلاف في الظروف والعهد والزمان، ينطبق عليهم ما قاله ماركس بحق “المصرفيين” و”الملكيين والشرعيين” و”الجمهوريين البرجوازيين” في كتابه “النضال الطبقي في فرنسا بين عامي 1848- 1850″، كيف انهم كانوا “فئة” برجوازية و”كتلة برلمانية”  ولكنهم  من خلال سعيهم لتأسيس “الجمهورية البرجوازية” أي “شكل الدولة” التي يتطابق مع “المصالح الطبقية العامة للبرجوازية”، انجزوا هذه “المهمة الطبقية العامة للبرجوازية”. فمع تطبيق قانون الأحوال الشخصية تحقق هذه الفئة البرجوازية الكبيرة ما تحتاجه حركة راس المال والبرجوازية في بلد عاصف بالأزمات المركبة، من سياسة رجعية، لسد الطريق امام تنامي الحركة البروليتارية الاشتراكية والنسوية الماركسية، وهذه هي المهمة السياسية التي يؤديها الإسلام السياسي الشيعي وكذلك البرلماني رائد المالكي حينما يقدمون على ارتكاب الجرائم بحق النساء والأطفال في العراق. 

 

تيارات الإسلام السياسي ورأسمالية

مندمجة باضطراد بالسوق العالمية

لم تعد تيارات الإسلام السياسي الشيعي في العراق، بعد عشرين عاما من الحكم ، تشكل مجرد ميليشيات وأحزاب وقوى سياسية ذات أيديولوجيا دينية وطائفية ضعيفة اقتصاديا، انما اصبحت قوى اقتصادية ضخمة ومؤثرة. وهي تتحكم بميزانية الدولة الهائلة وتتفرد بالحصة الأكبر من الفساد ونهب مداخيل الدولة وثروات المجتمع، كما وتتفرد بحصتها الرئيسة من مشاريع الدولة الاقتصادية والخدمية والعسكرية والمشاريع الاستراتيجية للدولة ومشاريع “العتبات “وغيرها.

هذا، وترتبط وتحيط بهذه القوى، وكجزء عضوي منها، صف عريض وطويل من الرأسماليين الكبار والصغار وشبكة أخطبوطيه من راس المال الآحاد في المجتمع، مستفيدة من القدرة الاقتصادية للحكام الإسلاميين. وهذه الأحزاب والتيارات الحاكمة وما تحيط بها من الرأسماليين تشكل فئة برجوازية كبيرة نهابة وفاسدة محتكرة لقسم كبير من النشاط الاقتصادي الحيوي، ليس هذا فحسب، بل وان احزابها متمتعة بصلاحية تبني وتنفيذ السياسات العامة للدولة بما فيها تلك التي تعكس المصالح العامة لحركة راس المال وبالأخص السياسات الرجعية المناهضة للعمال والنساء والشبيبة الثورية.   

بالإضافة الى ذلك، لم تعد هذه التيارات ومن خلال تحكمها بالدولة تتعامل مع رأسمالية العراق ما قبل الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003، بل مع رأسمالية مضت عليها عشرين سنة من التطور والاندماج المتزايد بالسوق العالمية والرأسمالية العالمية بحيث حصل تحولا هيكليا ليس فقط في تأمين سيادة نمط الاقتصاد النيو ليبرالي للنظام الرأسمالي في العراق، من خلال السياسات الاقتصادية لنفس النظام السياسي الحاكم الذي تقوده هذه التيارات، وسياسات النظام وممارساته القمعية ضد الحركة العمالية وتنظيماتها النقابية ونضالاتها واحتجاجاتها الجماهيرية بوجه هذه السياسات الاقتصادية، انما شهدت كذلك تحولا كبيرا في عمق ومديات اندماج الرأسمالية في العراق بحركة راس المال العالمي، وعواصف هذه الرأسمالية العالمية وازماتها الخانقة التي تعيشها وبالأخص منذ 2008. وعلى حد تعبير يوسف ك بكر “كان أحد الأهداف الرئيسية لغزو العراق هو دمج البلاد بشكل أكثر اكتمالاً في النظام الرأسمالي العالمي”[i].

وهكذا، فان الهدف من النظام السياسي الإسلامي والقومي المحاصصاتي الذي بنته أمريكا في العراق عام 2003 ، كان ولا يزال تثبيت  النظام السياسي البرجوازي الحامي للرأسمالية في العراق وبوصفها رأسمالية مندمجة اكثر فاكثر بالسوق العالمية وفي قلب تطوراتها وتقلباتها وعواصفها وازماتها.

ان ازمة النظام الاقتصادية وعدم إمكانه حل معضلة البطالة والافقار وتدهور الخدمات وتدني مستوى معيشة العمال والموظفين، والعمال العاملين في قطاع العمالة الهشة، تحولت منذ سنوات طوال الى ازمة اجتماعية واسعة وشديدة. فان هذه الازمة الاجتماعية تعكس في الوقت ذاته ابعاد وعناصر الازمة الرأسمالية العالمية داخل العراق،  فهي تعكس واقع الرأسمالية المعاصرة المعولة الى اقصى الحدود والتي تخلق الافقار والبطالة وتدهور الخدمات وازمة المعيشة والحرمان من السكن الاجتماعي بالنسبة لأوسع قطاعات الجماهير من جهة،  وتراكم  راس المال لدى اقلية قليلة باضطراد محليا واقليما وعالميا  مع اندماج هذا الرأسمال المتراكم بشكل متزايد في شبكة أخطبوطيه عالمية، من جهة اخرى. 

لذلك نرى اليوم  تتصاعد النضالات العمالية في مختلف قطاعات الدولة ومشاريعها ومؤسساتها، وتستمر بزخم اكبر حركة تعديل سلم الرواتب للموظفين والعمال التي تهدد ضمينا امتيازات الفئوية لأصحاب الدرجات العليا في النظام القائم،  وهذه التطورات في النضال العمالي تشكل احدى علائم نمو الصراع الطبقي البروليتاري بشكلها الجنيني ضد راس المال والرأسمالية وذلك على أرضية هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتعددة التي تشهدها الرأسمالية في العراق.

هذا وان الملايين من الشابات والشباب المعطلة عن العمل او من منهم  يحصل على عمل هش غير مستقر وباجور قليلة باتت تشكل جزءً كبيرا من البروليتاريا التي تموج الاستياء و الغضب في اوساطها و تبحث عن فرصة لشن نضالها بوجه النظام الاقتصادي والسياسي القائم.  وعليه  فان ازمة الرأسمالية في العراق هو ازمة الاستقطاب الطبقي وعدم وجود حل اقتصادي على أساس الرأسمالية ونمطها الاقتصادي النيو ليبرالي للخروج من الوضع  القائم.

اسقاط  مشروع التعديل

مهمة نضالية بروليتارية آنية وملحة   

ان البرجوازية عموما بما فيها البرجوازية الإسلامية والقومية الحاكمة تبحث في حالة الازمات عن الفرص الموجودة امامها من المخزون الرجعي من التقاليد والقيم السائدة  في المجتمع  كي تنطلق منها لتنفيذ سياساتها المعادية للجماهير وذلك لإنقاذ النظام. فان القوميين يلجئون الى بث النعرات القومية والشقاق القومي، والاسلاميون كما هو الحال الان، يلجئون الى اشتداد اضطهاد المرأة والاطفال.

لقد اختار تيار الإسلام السياسي الحاكم  تشديد قمع واسترقاق المرأة والأطفال هدفا لتنفيذ استراتيجيته السياسية في الحفاظ على النظام وذلك لكونه هدفا سهل تحقيق بسبب الثقافة لذكورية والتقاليد الدينية والعشائرية الرجعية السائدة في المجتمع وبسبب توافق و تهاون معظم الأحزاب القومية والقومية الإسلامية الاخرى المشاركة في النظام معه في امرار التعديل.

ان امرار تعديل قانون الأحوال الشخصية 188 سيؤدي الى تشديد استرقاق النساء وسلب حقوقها وحرياتها ويحولها الى مواطنة درجة ثانية وثالثة من حيث الإرث والمكانة الاجتماعية، ويوطد ويساعد على اتساع رقعة تزويج الطفلات وغيرها من الممارسات المجحفة بحق النساء والأطفال. وسيفتح الأبواب على مصراعيها لفرض القانون الجعفري بما فيها تزويج  الطفلات من عمر 9 سنوات وفرض الحجاب وغيرها من اشكال الاضطهاد  واساليب القمع والتنكيل بالنساء والاطفال.

ان هذه الهجمة الشرسة التي تشنها البرجوازية الإسلامية على النساء رسالة تهديد  لنساء العراق والمنطقة وهذا يحدث في وقت تتصاعد الاعتراضات العمالية باستمرار في العراق، وصدى حركة تعديل سلم الرواتب مع تطورها اللاحق سيصل آجلا او عاجلا الى عمال المنطقة، وبدا تتنامى عناصر وضع ثوري في العراق، والنظام الإيراني يواجه موجة غضب جماهيري عارمة.  لذا ان هذه الهجمة ليست عمل سياسي  روتيني في وضع مستقر بالنسبة للبرجوازية الحاكمة في العراق انما هي احدى أدوات وسياسات المستخدمة في عهد الازمة،  وان الإصرار عليها  ذا صلة وثيقة بهذه الازمة ومعاداة الثورة وشبح الشيوعية والنضال الطبقي البروليتاري الثوري القادم .

ان سلب احدى مكتسبات البروليتاريا الاشتراكية والنسوية  العالمية والحركة النسوية في العراق، من نساء العراق، من خلال  تعديل قانون 188، وبالرغم من كل نواقص هذا القانون، سياسة اجرامية وعدائية بالضد من النساء والأطفال ولكن مبعثها الخوف من الثورة .

ليس من مصلحة العمال والكادحين والشبيبة ان يسمح بإمرار تعديل القانون في الوقت الذي يستهدف شل نضالهم الطبقي الثوري نساء ورجالا. ان تقوية نضال النساء والبروليتاريا والشبيبة وجميع الاشتراكيين والتحررين وتوحيدها في نضال اجتماعي وسياسي واسع لإسقاط هذا المشروع مهمة آنية ملحة لا تقبل التأجيل.

مؤيد احمد

26 أيلول 2024

[i] Baker, Yousef K. “GLOBAL CAPITALISM AND IRAQ: THE MAKING OF A NEOLIBERAL STATE.” International Review of Modern Sociology, vol. 40, no. 2, 2014, pp. 121–48. JSTOR, http://www.jstor.org/stable/43499905. Accessed 26 Sept. 2024.

تعليق واحد

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.