يقول ماركس : (تأريخ البشرية هو تأريخ البحث عن الطعام ) !
حددت الأمم المتحدة يوم( ١٧ تشرين الأول / أكتوبر) من كل عام “يوما عالميا للفقر” ، ففي ذلك اليوم من عام( ١٩٨٧ ) اجتمع ما يزيد على مئة الف شخص في ساحة ( تروكاديرو) في باريس، وهو نفس المكان الذي وقّع فيه الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام ( ١٩٤٨ )، “تكريما ” لضحايا الفقر المدقع والجوع والعنف وأعلنوا بأن الفقر يشكل انتهاكا لحقوق الانسان.
وحسب تعريف الأمم المتحدة للفقر، فأنه أبعد من الافتقار الى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر لرزق مستدام، حيث ان الفقر، وحسب نفس التعريف، هو سوء التغذية وانعدام فرص التعليم والحصول على الخدمات الأساسية، بالإضافة الى التمييز الاجتماعي والاستبعاد من المجتمع وانعدام فرص المشاركة في اتخاذ القرارات.
في عالم اليوم، الذي يتسم بمستوى لم يسبق له مثيل من التنمية الاقتصادية وتطور الوسائل التكنلوجية والموارد المالية، لم يعد الفقر مجرد ظاهرة متعددة الابعاد فحسب، بل هو نتاج حقيقي وواقعي وأحد افرازات النظام الطبقي أي النظام الرأسمالي السائد. وكما يؤكد ماركس فان: (تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر).
الأمم المتحدة، وهي منظمة هذه الدول الرأسمالية والحارسة لهذا النظام الطبقي العالمي، تسعى للحد من بؤس هذا النظام ومآسيه وتزيين وجهه القبيح من جهة، ولعرض طريقة إصلاحية أمام الطبقات المضطهدة والفقيرة كي لا يتوجهوا نحو حل معضلة الجوع بطريقة ثورية من جهة أخرى، أعلنت الأمم المتحدة نفسها “متضامنة” مع الفقراء و”ملتزمة” بمحاولة الحد من الفقر وخلق الظروف التي “تزيل وحش الفقر من قلوب هؤلاء الناس” وتوفر لهم حياة أفضل! الا أن هذه المنظمة، ومنذ بدء تأسيسها، ازداد معها الفقر والجوع واندلاع الحروب والنزوح والتهجير.
مقارنة بسيطة بين عدد الفقراء في العالم وعدد الأثرياء، توضح بجلاء ماهية هذا النظام ووحشيته، وفقا لإحصائيات الأمم المتحدة فأن مؤشر الفقر العالمي متعدد الابعاد، عام (٢٠٢٣ ) والذي يغطي احصائيات سنة( ٢٠٢٢ )،أظهر وجود( ١٫١ ) مليار فقير من أصل( ٦٫١ ) مليار نسمة يقيمون في( ١١٠ )دولة. يبلغ عدد أفقر الفقراء والذين هم دون سن الثامنة عشرة نحو (٥٨٤ ) مليون طفل ومراهق في العالم وتبلغ نسبة الفقراء في صفوف القُصّر في العالم( ٢٧٫٩٪ ) في مقابل( ١٣٫٥٪ ) في صوف البالغين وتقيم غالبية أفقر الفقراء، أي نسبة( ٨٣٫٢ ٪ ) منهم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا أي شبه القارة الهندية أكثر مناطق العالم تعداداً للسكان. أضف الي هذا المعسكر للجياع في العالم الآن اليمن وفلسطين والسودان حيث المجاعة تطرق الأبواب.
أما عدد الأثرياء في العالم، فقد شهد عاما استثنائيا، حيث سجل موقع ( فوربس – وهو موقع يعني بشؤون الأثرياء في العالم)، ( ٢٧٨١ ) مليارديرا حول العالم وهو، وحسب الموقع المذكور، رقم غير مسبوق ضمن قائمة الأثرياء في العالم لعام( ٢٠٢٤ )ما يمثل ارتفاعا بنحو( ١٤١ ) مليارديرا مقارنة بعام( ٢٠٢٣).
ففي الهند على سبيل المثال، حيث تمثل المرتبة الثالثة عالميا لوجود أكبر عدد من الأثرياء بعد أمريكا والصين، ارتفع عدد المليارديرات الى أعلى مستوى على الأطلاق مسجلا (٢٠٠ )ملياردير هندي.
تقول احصائيات منظمة أوكسفام، وهي منظمة عالمية تمثل ملايين الأشخاص الذين يشاركون في مبدأ مفاده ” ان العالم غني بالموارد وان الفقر ليس أمرا حتميا ” ان ثمانية من جنس الرجال فقط يمتلكون ثروة ما يعادل النصف الأفقر من سكان العالم! وتقول المنظمة ان التفاوت في الثروات أصبح أكثر اتساعا من ذي قبل مع وجود بيانات من الصين والهند تشير الى ان النصف الأكثر فقرا من سكان العالم يمتلكون أقل مما كان مقدرا سابقا، وان ما يمتلكه تسعة أشخاص فقط في العالم يعادل ما يحصل عليه (٣٫٦) مليار شخص يشكلون النصف الأفقر من البشرية.
لقد بلغ السيل الزبى كما يُقال، حيث فاض السيل حتى وصل الى القمم وعندها يكون قد تجاوز كل الحدود، والفقير لا يجوع الا بتخمة الغني، وان الانفجار آتٍ، ولكنه لا يأتي كصيرورة تأريخية لابد منها، بل يحتاج الى الوعي والتنظيم وكما يقول ماركس: (الفقر لا يصنع الثورة، إنما وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة، الطاغية مهمته أنْ يجعلك فقيراً، وكاهن الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائباً). ان وجود الفقر دون الإحساس بالقهر والظلم لا يصنع الثورة، ولكنه ربما يؤدي الى انفجار شعبي يتم من خلاله افراغ الغضب والانتقام وقد يحقق بعض المكاسب، كما حصل بالنسبة لانتفاضة أكتوبر (٢٠١٩) وانتفاضة ( ١٧ شباط عام ٢٠١١) في إقليم كوردستان ولكنه لا يغير من الواقع شيئا جذريا.
ان السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ووفقا للمعطيات آنفة الذكر، هو التالي: كيف السبيل الى القضاء نهائيا على الفقر ؟ انه بالتأكيد ليس من خلال تحديد يوم للفقر وتذكير العالم بوجوده، رغم ان النضال من أجل فرض الإصلاحات وتحسين الحياة وتوفير ظروف العيش الملائم مسألة واردة خلال مسيرة الصراع مع البرجوازية ونظامها الرأسمالي، الا أن خلق عالم خال من الفقر لا يأتي سوى عن طريق الثورة الاشتراكية، تلك التي تتكفل بإنجازها الطبقة العاملة كطبقة منظمة وموحدة ومعها جميع الشرائح الكادحة والمفقرون والمرأة المضطهدة.
عبدالله صالح
٢٥ / ١٠ / ٢٠٢٤