لماذا لا يثق العمال بقوتهم؟ حركة سلم الرواتب نموذجا

طارق فتحي

منذ ان تم إقرار سلم الرواتب لعمال وموظفي القطاع العام في سنة 2008، والذي كان سلما مجحفا وغير عادل لأغلب عمال هذا القطاع؛ نقول منذ ان تم اقراره والحركة الاحتجاجية لم تتوقف، فالمطالبة بتعديل هذا السلم ما زالت متواصلة، بل انها تكتسب زخما عاما بعد عام، وقد بلغت ذروة تلك الحركة الاحتجاجية في مناسبة الأول من آيار 2023، فقد امتلأت ساحة التحرير بهم.

المشكلة التي تواجه هذه الحركة، بل وكل الاحتجاج العمالي هي افتقاد العمال الثقة بقوتهم، او حتى نكون دقيقين أكثر نقول افتقاد بعض قيادات الحراك الاحتجاجي للثقة بقوة العمال، فترى البعض من هذه القيادات العمالية تحرض العمال للذهاب ومقابلة رجال الدين او قادة الميليشيات او أحد أعضاء مجلس النواب، وعرض مشكلتهم، عسى ان يتلطف هذا “السيد، الشيخ، العضو، القائد، الوزير” و “ينكسر خاطره” على العمال، وبالتالي يتدخل ويضغط لحل تلك المشكلة.

هذا المسار الذي يصر البعض من قادة الحراك العمالي الاحتجاجي عليه، ويقنعون العمال بانه هو الحل وليس الاستمرار بالتظاهر، هذا المسار هو الذي يرسخ من عدم الثقة بقوة وقدرة العمال على تنفيذ مطالبهم، وقد انتشر هذا الفهم بين الأوساط العمالية بشكل كبير، وهو في جوهره طرح سلطة، فأية سلطة لا ترغب بالمطلق برؤية حركة احتجاجية، وهؤلاء القادة العماليين يقدمون لها-السلطة- راحة البال على طبق من ذهب.

ما يجب ان يفهمه العمال انهم ليسوا في صراع مع هذا الوزير او ذاك وحده، بل هم في صراع مع طبقة، وهذا هو ما يجب ترسيخه؛ رجل الدين وقائد الميليشيا والوزير وعضو مجلس النواب هؤلاء ممثلي الطبقة الحاكمة “البورجوازية”، بالتالي فهم حريصون جدا على مصالحهم واملاكهم وثرواتهم ومكانتهم وحكمهم، أي على طبقتهم؛ العمال هم الطبقة المضادة والنقيض لتلك الطبقة، فكيف يعقل ان يتخلوا عن جزء من الثروة التي ينهبوها.

هذه الحقيقة تؤكدها الزيارات المكوكية التي قام بها البعض من قادة العمال، ففي كل اجتماع عمالي ينبري البعض من هؤلاء بهذا الطرح: “خلونا نروح للسيد بالنجف؛ راح نروح للشيخ الفلاني او الحاج الفلاني؛ النائب الفلاني هو تبرع يعرض مشكلتنا فخلي ننتظر” وعلى هذا المنوال في كل حركة احتجاجية ناهضة، طرح يميت ويقبر أي حراك او نشاط عمالي، فمع علمهم ان هذه الزيارات لم -ولن- تفعل شيئا، الا اننا نراها تعاد وتتكرر في كل مرة.

ستبقى الحركة الاحتجاجية للعمال تراوح مكانها ولن تتقدم خطوة واحدة مع استمرار هذا الطرح، يجب على العمال استرداد الثقة بقوتهم وقدرتهم على ارضاخ السلطة، كونهم قوة وعماد هذا المجتمع، دون ذلك فأن كل اعتراض سيزول ويتبخر شيئا فشيئا.

المقال اعلاه منشور في العدد 38 من جريدة الغد الاشتراكي في ايار 2024

عن Albadeel Alsheoi

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حياة الأطفال، مسرح للمأساة التي خلقتها الرأسمالية وليبراليتها الجديدة

بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال عبدالله صالح حددت منظمة الأمم المتحدة يوم الثاني عشر ...

ندين وبشدة غلق مقرات الأحزاب ومصادرة ممتلكاتها

أصدرت الهيئة القضائية للانتخابات في (مجلس القضاء الأعلى) العراقي في (١-٨-٢٠٢٤)، قرارا بحل مجموعة من ...

مقابر منسية لنساء ضحايا جرائم” الشرف”

إقليم كوردستان تقرير أعده للغد الاشتراكي – عبدالله صالح عندما يتوجه الناس كعادتهم صبيحة أيام ...

الشعوذة والتنبؤ، بين الانتشار وسبل التصدي

نور سالم على مر العصور، لعبت النساء دور الضحايا في قصص السحر والشعوذة، وغالبًا ما ...

جذور الفاشية المعاصرة في إسرائيل

نادر عبدالحميد لا يمكن النظر إلى حرب نتنياهو ضد المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة على ...