نادر عبدالحميد
لا يمكن النظر إلى حرب نتنياهو ضد المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة على أنه رد فعل على العملية العسكرية الإرهابية التي قامت بها (حماس) في السابع من تشرين الأول من العام الماضي (٢٠٢٣)، بل الأصح هو إن نتنياهو واليمين الفاشي المتحالف معه حصلوا علی عذر، لتسريع ممارسة وتنفيذ مخططاتهم العنصرية بشكل منهجي وهادف لتصفية القضية الفلسطينية، وذلك عن طريق القتل العشوائي وتدمير المدن والبنية التحية في قطاع غزة، بغرض إجبار الفلسطينيين على ترك القطاع.
هذا وقاموا بتسريع سياستهم المتمثلة في بناء وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، مع إطلاق يد المستوطنين والجيش لاعتداءات ممنهَجة وارتكاب الجرائم بحق سكانها. واليوم، تشكل هذه المستوطنات ما نسبته (٤٢%) من مساحة الضفة الغربية، وقد أدت هذه السياسة الاستيطانية إلى تفكيكها وعزل الفلسطينيين في مناطق محدودة المساحة مقطعة الأوصال، بحيث لم تبقی أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية. وأخيرا، تبنى الكنيست الإسرائيلي، يوم الخميس (١٨-٧-٢٠٢٤) مشروع قرار يؤكد الموقف الرافض لإقامة دولة فلسطينية، أي ما فرضوه على الأرض اقروه في مشروع قانون.
تعرض الفلسطينيون في النصف الأول من القرن الماضي لسياسة التطهير والتهجير القسري في وطنهم كما هو الحال اليوم، إلا أن الأساس المادي يختلف في الحالتين، ففي الحالة الأولى تشبه الإبادة الجماعية للسكان الأصليين في قارتي أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وكذلك أستراليا علی يد الأوروبيين في بداية ظهور وتطور الرأسمالية وجعل تلك القارات وطنا لهم علی حساب إبادة الشعوب الأصلية فيها بوحشية، في حين أن وضع التطهير والتهجير القسري والإبادة الجماعية الحاليـة هي نتاج دولة رأسمالية متطورة ذات نزعة توسعية إمبريالية، تحتاج إلى سلطة بورجوازية فاشية مستجيبة لمتطلباتها.
من المؤكد أن التحولات التي شهدتها الأعوام الثلاثين الماضية بعد الحرب الباردة وانتصار النيوليبرالية الأمريكية، ساهمت في تعزيز الرجعية السياسية وانحدار القيم والثقافة التقدمية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك داخل إسرائيل، ومن المؤكد أيضا بأن الصهيونية كأيديولوجية بالأضافة الى الخرافات الدينية اليهودية، تبرران التطهير والتهجير القسري والإبادة الجماعية للفلسطينيين، إلا إن الفاشية المعاصرة في إسرائيل بُنيَت وترسخت جذورها داخل النظام الرأسمالي الإسرائيلي ومتطلباته، وتستفيد من الصهيونية والخرافات اليهودية.
ومن ركائز هذه الفاشية، والتي تكمل ركيزتها الثانية، أي سياسة التطهير والإبادة الجماعية للفلسطينيين، هي فرض تراجع شديد على قوى اليسار الإسرائيلي والطبقة العاملة داخل إسرائيل في العقود الثلاثة الماضية، حيث دون هذه الركيزة لن تتمكن الفاشية من ممارسة كل هذە المجازر البشعة والجرائم بحق الإنسانية في فلسطين.
ومن الواضح الآن أن كلا الطريقين لإنهاء وحل القضية الفلسطينية، أي المسار الليبرالي الإمبريالي (من خلال اتفاقيات أوسلو أو عبر المصالحات والوساطات الدولية)، والحل الإسلامي الرجعي والإرهابي، قد زادا من تعقيد القضية الفلسطينية أكثر مما كانت عليه من قبل، وأديا إلى المزيد من سفك الدماء، والدمار، والمعاناة، والبؤس.
لذا، فالحل الجذري يكمن في تغير موازين القوی، أي فرض تراجع جدي علی اليمين البرجوازي ودحر الفاشية في بكرة أبيها، وهذه مهمة الحركة الشيوعية الثورية والعمالية في الشرق الأوسط علی الأقل. لن تتغير موازين القوى بين اليمين واليسار، بين البرجوازية والبروليتاريا داخل بلد بمفرده في عالم اليوم، عالم العولمة، إن تغير موازين القوى داخل إسرائيل وداخل الشعب الفلسطيني يعتمد على تطور الحركة الأممية الشيوعية والعمالية في الشرق الأوسط، وأي تغيير، ولو طفيف، في دولة واحدة سيكون له انعكاسات على الدول الأخرى.
قد نواجه نقدا بأن هذە ليست بمهمة سهلة، إن لم نقل مستحيلة! إذ نظرنا إلى الماضي إلى الطرق النضالية التي سلكته، من خلالها، الأجيال السابقة من زمن النكبة (١٩٤٨) إلى هزيمة حزيران (١٩٦٧) و أكتوبر (١٩٧٣) إلى (الكفاح المسلح) و(الإنتفاضة الأولی ١٩٨٧) (واتفاقية أوسلو ١٩٩٣) (والإنتفاضة الثانية-٢٠٠٠)، وصولا الى (إنتفاضة القدس ٢٠١٥) … ولحد الآن، هل كانت كل هذە الطرق سهلة؟ وإلى أين وصلت الأمور؟
لذلك ليس لدينا خيار سوى مواصلة النضال من أجل تقوية الحركة العمالية والشيوعية الأممية.
تموز ٢٠٢٤