نور سالم
على مر العصور، لعبت النساء دور الضحايا في قصص السحر والشعوذة، وغالبًا ما كان يتم استغلالهن بسبب هشاشة أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية. في العصور الوسطى، كانت النساء تُتهم بالسحر وتُحاكم بوحشية. هذه الظاهرة لم تكن فقط مقتصرة على الغرب ، بل كانت موجودة في جميع الثقافات و الاديان تقريبًا. في العديد من المجتمعات، كانت النساء يُعتبرن أكثر عرضة للتأثر بالسحر والشعوذة، مما جعلهن أهدافًا سهلة للاستغلال. ومع ذلك، ليس النساء فقط هن الضحايا أو من المتورطين في هذه الممارسات، بل إن العديد من الرجال، بما في ذلك السياسيون، كانوا يلجؤون إلى السحرة والدجالين لأسباب متعددة، مثل المعتقدات الموروثة، والرغبة في السلطة، والحفاظ على الهيمنة. هذا السلوك، بشكل عام، يعكس جوانب من الجهل والهيمنة الثقافية والدينية، حيث يلعب الإسلام السياسي دورًا في تعزيز ونشر هذه المعتقدات الخرافية.
في السنوات الأخيرة، شهدت وسائل الإعلام بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية، انتشارًا واسعًا للشعوذة والتنبؤ. هذه الظاهرة تثير قلقًا كبيرًا بسبب تأثيرها السلبي على المجتمع، حيث تستغل الفئات الضعيفة وتروج للجهل والتخلف. عملية تجهيل المجتمع تتم من خلال استغلال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، مما يدفع الأفراد للبحث عن حلول سريعة وسهلة لمشاكلهم، مما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل “المتنبئين”.
من وجهة نظري كناشطة نسوية ، يمكن تفسير انتشار الشعوذة والتنبؤ عبر وسائل الإعلام كظاهرة اجتماعية معقدة تتداخل فيها عدة عوامل. كما أوضح كارل ماركس في كتابه (رأس المال)، – إن الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية تسعى دائمًا إلى استغلال الأزمات لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الفئات الضعيفة – ، وهذا ينطبق تمامًا على ظاهرة الشعوذة الحديثة. التكنولوجيا الحديثة والإعلام الرقمي يسهلان انتشار هذه الممارسات، حيث تعزز الخوارزميات والذكاء الاصطناعي ظهور هذه المحتويات. هذه المنصات توفر بيئة مثالية للمتنبئين لجذب الجماهير من خلال البث المباشر والفيديوهات القصيرة، مما يؤدي إلى تغيير المعتقدات والسلوكيات وتدهور الصحة النفسية. وكما قالت سيمون دي بوفوار في كتابها (الجنس الآخر)، ان المجتمع هو من يحدد الادوار .
الظروف الاجتماعية والاقتصادية تلعب دورًا كبيرًا في دفع الأفراد للجوء إلى الشعوذة والتنبؤ. الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تجعل الأفراد، خاصة الفئات الضعيفة، يبحثون عن حلول سريعة وسهلة لمشاكلهم مما يجعلهم عرضة للاستغلال من قبل المتنبئين. هذه الممارسات تستهدف النساء والرجال على حد سواء، مما يؤدي إلى تعزيز الجهل والتخلف في المجتمع. كما أشارت روزا لوكسمبورغ في (التراكم الرأسمالي)، فإن الأزمات الاقتصادية هي أرض خصبة لنمو الظواهر التي تستغل الضعفاء، ما يؤدي إلى مزيد من الهيمنة الطبقية .
غياب الرقابة الفعالة يسهم في انتشار هذه الظاهرة، فالشعوذة والتنبؤ غالبًا ما تكون أساليب للنصب والاحتيال، حيث يتم استغلال الفئات الضعيفة لتحقيق أرباح مالية. في بعض الحالات، يتم دعم المتنبئين من قبل السلطات نفسها، مما يزيد من تعقيد المشكلة ويعزز انتشار هذه الظاهرة. هذا الدعم يمكن أن يكون ضمنيًا أو علنيًا، ويهدف إلى تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية. وباستنتاج شخصي لما جاء في كتاب (المرأة والعِرق والطبقة) لأنجيلا ديفيس، فإن التلاعب بالعقول عبر وسائل الإعلام هو جزء من النظام البطريركي الذي يسعى للسيطرة على النساء والفئات المهمشة.
النساء يعانين من التسلط الذكوري والهيمنة وضغط اجتماعي كبير، مما يدفعهن أحيانًا للجوء إلى الشعوذة والتنبؤ كوسيلة للهروب من واقعهن الصعب. هذه الممارسات توفر لهن شعورًا مؤقتًا بالسيطرة والأمان في مواجهة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، يلعب رجال الدين دورًا كبيرًا في تعزيز هذه الأفكار ونشرها، حيث يستغلون جهل المجتمع لتحقيق مكاسب مالية واستدراج النساء. هذا الاستغلال يعزز من تدهور الوضع الاجتماعي والنفسي للنساء، ويزيد من تعقيد المشكلة.
يلعب المتنبئون السياسيون دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام واستغلال الأزمات لتحقيق مكاسب شخصية. كما يستخدم مدعو علم “التاروت والأبراج” هذه الممارسات لاستغلال الفئات الضعيفة. وفي هذا المقال نحاول ان نقدم النقد الواقعي لهذه الحالة وكيف ان هذه الممارسات ترتبط بالهيمنة الاقتصادية والاجتماعية، حيث يتم استغلال الأزمات لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الفئات الضعيفة. وكما اوضحت (جوديث بتلر )التي تستند إلى أعمال (فوكو) وآخرين لتوضيح كيف أن السلطة ليست فقط خارجية، بل هي جزء من تشكيل الذات والهوية. هذا يمكن أن يُفهم على أنه يشمل العديد من الأدوات والوسائل التي تستخدمها السلطة لترسيخ هيمنتها، بما في ذلك وسائل الإعلام والممارسات الثقافية والسياسية المختلفة. فالهيمنة تستخدم التنبؤ والشعوذة كأدوات لترسيخ السيطرة على الفئات المهمشة، مما يعزز النظام البطريركي والطبقي.
فيما يخص الأضرار الاجتماعية والنفسية، فان هذه الظاهرة تشمل تدهور الصحة النفسية والعقلية للأفراد والعائلات. القوانين والتشريعات ليست كافية للحد من هذه الظاهرة، مما يتطلب تعزيز الرقابة والإجراءات الحكومية. التوعية والتعليم هما المفتاح لمكافحة الشعوذة والتنبؤ. يجب أن تلعب المؤسسات التعليمية والإعلام دورًا أكبر في نشر الوعي وتمكين النساء والرجال على حد سواء. تعزيز الرقابة على المحتوى المنشور، ذات الصلة بهذه الحالة، عبر الإنترنت والتلفاز وتحديث القوانين والتشريعات لمكافحة هذه الظاهرة هو أمر ضروري.
انتشار الشعوذة والمتنبئين عبر وسائل الإعلام يمثل تحديًا كبيرًا للمجتمع. من الضروري اتخاذ إجراءات مناسبة لمواجهة هذه الظاهرة، مع التركيز على تمكين الفئات المهمشة. ومن ثم فان التعاون بين جميع الأطراف المعنية هو احدى السبل للحد من هذه الظاهرة.
من خلال هذه الرؤيا، يمكننا أن نفهم كيف أن انتشار الشعوذة والتنبؤ هو جزء من نظام أوسع يسعى للسيطرة على الفئات المهمشة واستغلالها. يجب علينا أن نكون يقظين ونتخذ إجراءات فعالة لمواجهة هذه الظاهرة وحماية الفئات الضعيفة من الاستغلال.