حياة الأطفال، مسرح للمأساة التي خلقتها الرأسمالية وليبراليتها الجديدة

بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال

عبدالله صالح

حددت منظمة الأمم المتحدة يوم الثاني عشر يونيو/ حزيران من كل عام ليكون اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، وفيه تقام الفعاليات حول العالم لينصب الاهتمام على هذه الظاهرة والعمل على بذل الجهود اللازمة للقضاء عليها.

ودعت المنظمة إلى اتخاذ تدابير فورية وفعالة للقضاء على السخرة وإنهاء الرق المعاصر والاتجار بالبشر لضمان حظر واستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم في الصراعات المسلحة، العمل القسري والاجباري، ارسال الاسر ضعيفة الدخل في القرى وضواحي المدن لأطفالها الى المدن للعمل كخدم في المنازل لدى الأسر الثرية  وإنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله.

وأفاد تقرير مشترك لمنظمة العمل الدولية واليونسيف بارتفاع نسبة عمالة الأطفال حول العالم الى( ١٦٠ )مليون طفل أي بزيادة قدرها (٨،٤) مليون طفل خلال السنوات الأربع الماضية. وهناك، وحسب الاحصائيات الدولية يوجد (٢،٣) مليار طفل في العالم، أي ما يقارب ثلث اجمالي عدد سكان العالم، وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل الصادرة عام( ١٩٨٩ )والتي صادقت عليها غالبية دول العالم، عدى أمريكا، فأن الطفل يجب أن يتمتع بحقوق الانسان تماما حاله حال البالغين.  تعرف منظمة العمل الدولية العمل القسري على انه( أعمال أو خدمات تفرض عنوة على أي شخص تحت طائلة التهديد بالعقاب) وتشير التقارير الى عدد ضحايا العمل القسري على صعيد العالم بنحو واحد وعشرين مليون شخص.

تعتبر ظاهرة عمالة الأطفال في عدد من الدول العربية قضية “مقلقة” إلى حد كبير، إذ أشارت تقارير إلى أرقام وصفت بـ”الخطيرة والصادمة” لهذه الظاهرة. وتتعدد أشكالها نتيجة لأسباب عدّة منها: وخامة الأوضاع الاقتصادية وتدهورها في ظل تبني السياسات النيوليبرالية، الفقر والبطالة والمجاعة، الحروب الاهلية والصراعات المسلحة وتبعاتها، انعدام الأمن الغذائي التغيّرات المناخية، وتبعات انتشار فيروس كورونا…….الخ.

أما بخصوص العراق، فقد كشفت وزارة التخطيط بأن نسبة عمالة الأطفال اقتربت من نحو نصف مليون طفل وذلك في ظل تجاهل الحكومات العراقية المتعاقبة لهذه الظاهرة وعدم اتخاذها أي إجراءات وخطوات علاجية للحد من تلك الأعداد، وبحسب تقارير حقوقية وكذلك مسؤولين عراقيين، فإن ارتفاع معدلات الفقر في العراق دفع مؤشر عمالة الأطفال إلى تسجيل أرقام قياسية في معظم مدن البلاد ومن ظمنها إقليم كوردستان خلال العامين الماضيين. إذ تشير التقارير إلى أن أكثر من مليون طفل يعملون في سن مبكرة، في ظل ارتفاع نسبة الفقر، واستمرار النزوح القسري، ونقص الفرص التعليمية، الأمور التي دفعتهم إلى العمل المبكر لإعالة عائلاتهم.

لا يحتاج المرء سوى السير قليلا في شوارع بغداد، أو المدن الأخرى، خصوصا الاحياء الشعبية منها،  ليرى ظاهرة يمكن اعتبارها رقاً معاصراً حيث ترى الأطفال في عمر الورد وهم يعملون لدى الباعة أصحاب المحلات أو الباعة المتجوليين، أو يعملون كحماميل أو يدفعون العربات الصغيرة لنقل المواد الغذائية أو يحملون الاكياس البلاستيكية ويعرضونها للبيع، أو سيدة في مفترق طريق تستعرض طفلها الرضيع طالبة المساعدة من المارة، وهناك تقارير تشير الى نشاطات منظمة تمارسها شبكات لتوظيف ” الشرائح الهشة” داخل المجتمع في عمليات تسول ممنهجة من خلال تحويل البؤس الى سلعة منظورة، تدخل ضمن نطاق عبودية معاصرة، ناهيك عن تأثيراتها الاجتماعية والتربوية والنفسية.

أما آثار الحروب التي فتكت بالعراق طوال عدة عقود من الزمن، حدث ولا حرج،  فهناك آلاف الأطفال ممن فقدوا آباءهم أو أمهاتهم أو كليهما ليتحولوا الى أهداف رخوة لشبكات تمارس الاتجار بالبشر وتستغلهم جسديا وتعرضهم  الى ابشع أنواع الاستغلال. أضف الى كل ذلك زواج القاصرات ، فهي ظاهرة شائعة في العراق وإقليم كوردستان ولأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى حيث لا تستطيع الاسرة الفقيرة تأمين لقمة عيشها لذا تضطر الى تزويج البنت القاصر وذلك في ظل وجود غطاء مذهبي  عشائري يجيز هذا النوع من الزواج عملا بـ “حكام الشريعة”، و بالنتيجة فأن العديد من هؤلاء الضحايا يلجأن الى الانتحار .

وهناك أطفال يلجئون الى العمل داخل المنازل بعيدا عن أعين المجتمع حيث تمارس بحقهم أبشع أنواع القسوة من العمل المستمر ليل نهار لقاء فتات من الطعام وأجر زهيد، ناهيك عن العقوبات القاسية عند عصيان الأمر حيث يمكن اعتبار ذلك نوعا من العبودية المنزلية.

ففي عالم كهذا، والعراق وإقليم كوردستان نموذجا، يأخذ الرق أشكالا مختلفة كالاتجار بالبشر والعمل القسري والسخرة والعبودية حيث يتم التحكم في هؤلاء الأبرياء واجبارهم على العمل ضد ارادتهم بحيث يتعرضون خلالها الى أبشع أشكال الاهانات وتُداس كرامتهم ويحرمون من أبسط الحقوق.

وكما سبق ذكره، فإن ظاهرة عمالة الأطفال واستغلالهم هي نتاج تطور وتوحش الرأسمالية النيوليبرالية سواء على المستوى العالمي أو في العراق وإقليم كوردستان، لذا فان أي اصلاح يؤدي الى التقليل من مأساة هؤلاء الاطفال الابرياء وصولا الى تحررهم التام وتوفير حياة سعيدة ومستقبل مزدهر لهم، مرهون بالحد من هذا التوحش النيوليبرالي ومن ثم القضاء عليه نهائيا.  

إن التخندق المنظم للشباب العاطل عن العمل والنساء المضطهدات والعمال والكادحين وجميع شرائح المجتمع المحرومة والمهمشة في حركة طبقية موحدة ضد الأنظمة السياسية والحكومات التي تدافع عن هذا النظام الرأسمالي سيكون الخطوة الأكثر جدية وقوة لإخراج أطفال الأسر الكادحة والعمال والفقراء من هذا الوضع المأساوي. أما بالنسبة للعراق ككل، فلقد آن الأوان لطي هذه الصفحة المظلمة التي تعتبر احدى جوانب الظلم والقهر والحرمان الذي تتعرض له الجماهير في ظل الحكم الطائفي القومي المتسلط.

حزيران – ٢٠٢٤

عن Albadeel Alsheoi

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ما يجري داخل السجون ومراكز الاحتجاز للنساء بالعراق

اسيل سامي وسط تفاقم واشتداد ازمة النظام السياسي وتياراته الاسلامية المتسلطة على رقاب المواطنين والمتصارعة ...

النظام الايراني يواصل قتيل النساء

أصيبت امراة إيرانية، تُدعى أريزو بدري (31 عاماً)، بشلل نصفي بعد رميها برصاص الشرطة الإيرانية، ...

نتنياهو يدخل التأريخ، ولكن كمجرم حرب!

(الرأسمالي الذي يصنع التابوت، يبتهج لانتشار الطاعون – ماركس) (الحرب ليست ظاهرة مُستقلة، ولكنها امتداد ...

رشيد الحسيني والتهديد بالقتل

جلال الصباغ لا تختلف خطابات رجال الدين كثيرا، فجميعهم يمثلون التيار الرجعي المتخلف، المعادي لكل ...

جريدة الغد الاشتراكي العدد ٤١

لقراء الأعزاء ، تصفحوا جريدتكم ( الغد الاشتراكي ) في عددها ( ٤١) لقراءة الجريدة، ...