ما يجري داخل السجون ومراكز الاحتجاز للنساء بالعراق

اسيل سامي

وسط تفاقم واشتداد ازمة النظام السياسي وتياراته الاسلامية المتسلطة على رقاب المواطنين والمتصارعة على نهب ثروات البلاد على مدى عشرين عاما، لم تنل الجماهير في العراق شيئا سوى المزيد من الفقر والعوز والبطالة وتدني المستوى المعيشي والخدمي. واليوم، تعيش النساء القابعات داخل سجون ومراكز الاحتجاز في العراق اقصى درجات البؤس، فالحياة داخل تلك المقرات مأساوية والواقع مزري لا يمت للإنسانية بصلة، اذ تشكو السجينات والمحتجزات من ممارسات التعذيب النفسي والجسدي والاستغلال والتمييز والتسلط الذكوري ضدهن وصولا الى الاغتصاب من قبل ادارات امن السجون وبشكل متواصل من دون رادع او توفير الحماية، اذ يكون التعامل مبني على قاعدة الاضطهاد المزدوج على اساس النوع الاجتماعي وذلك لكونهن نساء ويشكلن الحلقة الاضعف بالمجتمع الذكوري والعشائري الحاكم. ان تلك السلوكيات الهمجية  ما هي الا انعكاس لما تعانيه اغلب النساء خارج تلك السجون من حكم المنطق البرجوازي، الذي يعامل المرأة الانسان كسلعة تباع  وتشترى من قبل رجال اوصياء عليها. فحسب هذا المنطق تكون المرأة تابعة لذكور العائلة ومجرد الة للمتعة والانجاب وتعامل  كشيء ثانوي وهامشي، ما يعزز ذلك المنطق ايضا هو وجود حفنة من التشريعات والقوانين الرجعية التي تسلبهن حقوقهن الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية ما يعيق وصولهن الى اماكن مساوية بالرجال. اضافة الى ذلك تسخير الاديان خدمة للنظام الابوي القائم، فجميع النصوص والتفسيرات  تعامل المرأة “كخطيئة الهية” و “لعنة شيطانية”  تحمل الذنوب وهي “اصل الشرور” حسب تعبيراتهم الدينية كل شيء فيها عورة وغير مستحب من رأسها حتى اخمص قدميها لذا يتم دفنها في الحياة وحرمانها من حقها بالعيش بأمان اسوة بقرينها الرجل.

نسبة النساء داخل السجون ونوعية الجرائم

لا توجد إحصائية رسمية دقيقة بشأن أعداد المودعات في السجون العراقية تماما، فبالرغم من ان نسبة النساء في السجون عالميا اقل من نسبة الرجال والتي تتراوح ما بين ( 2-10% ) حسب تقارير دولية، وإن كان معظم السجناء في العراق من الرجال، الا انه تبقى النساء هن الأكثر عرضة للعنف كونهن مستضعفات وبالتأكيد هذا لا يعني خلو سجون الرجال من ممارسات التعذيب ولكن شدة وقعها وتأثيرها اقل بالنسبة لما تتعرض له النساء.

 شهدت الاعوام الاخيرة تزايد اعداد النساء داخل السجون، فما تؤكده الاحصائيات يؤكد ارتفاعا ملحوظا بعد عام 2009، فقبل هذا التاريخ كان في العراق سجن واحد للنساء، وهو سجن (الكاظمية) في بغداد الذي يحوي على السجينات ومن مختلف الفئات العمرية. وان سبب ذلك يرجع الى عدة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية فالنظام الذكوري او نظام الاسلام السياسي المهيمن على الحكم في البلاد يرفع من احتمالية معاقبة النساء وزجهن في السجون على اثر مخالفتهن لمعايير السلطة ورجال الدين، فعادة ما تسجن النساء وتتم ادانتهن على اساس اعتبارات عديدة منها التهم الاخلاقية كـ”خلل بالذوق العام للمجتمع ” او تهم “المحتوى الهابط” او “المساس بالمعتقدات” وغيرها من الاحكام الرجعية والفاشية التي تعزز من سياسة تكميم الافواه، ويندرج اعتقال نساء اخريات تحت غطاء قانون “مكافحة الإرهاب”. كما ان مشاركة النساء في المعترك السياسي جعلهن اكثر عرضة للتنكيل والتشهير والاعتقال بسبب نشاطهن وخروجهن عن الادوار النمطية والمطالبة بحقوقهن، اضافة الى وجود نساء سجينات على اثر جنايات او جنحة بسبب اوضاعهن الاجتماعية المتردية، ايضا تتحمل العديد منهن التهم بدل عن ازواجهن او ابنائهن او احد افراد عوائلهن الذكور الذين هربوا بعد ارتكابهم لجريمة او جنحة معينة. وعادة ما نلحظ بان اكثر السجينات هن النساء من الاوساط الفقيرة ولا يقوين على تكاليف التمثيل القانوني أو بدائل الاحتجاز مثل دفع الغرامات والكفالات المالية. وبالتأكيد لا يحصل ذلك بمعزل عن تهاون السلطة في خلق الفوارق الطبقية والاجتماعية وتقاطع جميع اشكال العنف والهشاشة وتفاقم الازمة السياسية داخل المجتمع في العراق في ظل تراجع خطير لمكانة النساء ومكاسبهن الاجتماعية والسياسية مقارنة بالعقود التي مضت.

تكدس الاعداد وسوء الخدمات

تعاني النساء داخل السجون من سوء الخدمات وغياب الرقابة الصحية فتشكو السجينات من تكدس اعدادهن اذ تحتشد في كل غرفة تبلغ مساحتها نحو 8 امتار حوالي 40 سجينة كحد ادنى، بينما تسع الغرفة ذاتها الى خمسة افراد فقط.  اما الطعام فهو متعفن وفاسد تطفو فوقه الديدان. اضافة الى قلة المراحيض والحمامات اذ تبين شهادات لسجينات من عدم تمكنهن من الاستحمام، فهو مجدول بواقع ساعة واحدة اسبوعيا لكل المجموعة ومن لم تتمكن الدخول ولم يسعفها الوقت عليها الانتظار للأسبوع التالي. كذلك انعدام وجود افرشة النوم والاسرة فتتخذ السجينات الارض مجلسا ومناما بالتناوب نتيجة لصغر المكان حيث لا مساحة للسجينات للنوم او الاستلقاء بهدوء، ناهيك عن غياب الفوط الصحية فهي ممنوعة الدخول. وكذلك المكان معتم بسبب انقطاع الكهرباء وعدم وصول ضوء الشمس، ورائحة الرطوبة التي تعلو جدرانه تملأ الهواء داخل الغرفة، وعلى الرغم من المأساة والواقع الكارثي ترغم السجينات على السكوت في سبيل قضاء محكوميتهن باقل الخسائر ومن دون تعرضهن الى الموت.

ادارات السجون

تمارس ادارات السجون شتى انواع السلوكيات الوحشية بالضد من السجينات، فبالرغم من سوء المعاملة وانتهاك كرامة المرأة، تخوض السجينات بشكل دائم سلسلة من المضايقات والحروب النفسية والتي قد تصل ببعضهن الى الانتحار محاولة للخلاص من اوضاعهن الكارثية، وحسب الشهادات والادلة التي تدلي بها السجينات، نجد ان الفساد ينخر تلك الادارات التي ترغم السجينات على شراء المخدرات وبعض الاغذية والشامبوهات من حانوت السجن بمبالغ باهظة، ما تدر على المسؤولين بملايين الدولارات سنوياً، اضافة الى بيعهن بطاقات التعبئة للاتصالات التي تصل سعر المكالمة الى عشرة الاف دينار للدقيقة الواحدة. كما تقسم تلك الادارات قاعات السجون تقسيما طبقيا يعتمد على ما تدفعه السجينة من المال الذي تتلقاه من عائلتها والذي لا تحصل عليه كاملا.. فعلى سبيل المثال في سجن (السايد فور) الواقع في مقر وزارة الداخلية وسط بغداد، نجد ان القاعة مقسمة الى اربعة اجنحة وهي: “الماسي- الذهبي- الفضي- الزنجاري” يستند تقسيم الاجنحة الى وسائل الراحة ونوع الخدمات الموجودة فيها، اذ تحصل السجينة في الجناح الماسي مكانا قرب جهاز التكييف اضافة الى منحها افرشة نظيفة كما تتمتع السجينة الموجودة في الجناح الذهبي بالمروحة الكهربائية واعفاءها من بعض واجبات تنظيف القاعة، على عكس ما تحصل عليه السجينات في اجنحة الفضي والزنجاري اللواتي يقضين اوقات الجلوس والنوم بمساحات ضيقة قرب المراحيض كما تلقى عليهن مسؤولية التنظيف وبقية الخدمات المقدمة الى جناحي الماسي والذهبي اضافة الى اعتمادهن على “المهفات” اليدوية وسط حرارة الصيف اللاهبة.  كما لا يختلف الوضع كثيرا عن سجن (تسفيرات كركوك) سيئ الصيت، الذي تكلف ادارته بتعيين مسؤولات وهن بعض من السجينات المدانات بقضايا خطرة يتحكمن ببقية النزيلات داخل السجن كمشرفات عليهن يفرضن الاوامر فيرغمن السجينات على الاستيقاظ منتصف الليل للقيام بمهام التنظيف ومن لم تلبي المهمة مصيرها التعذيب والنقل الى سجن اخر. كما ان عمليات الفساد تلك تطال جميع السجون كـ(تل كيف) الواقع في نينوى، وبقية الاماكن ومن دون أي رقابة او محاسبة من جهة مسؤولة.

الصحة الجنسية والانجابية للنساء

ان صحة السجينات الجنسية والانجابية ليست اولوية عند السلطات، فعند النظر الى داخل سجون النساء في العراق وعند مطالعة التقارير وشهادات السجينات نجدها تفتقر الى أبسط معايير حقوق الانسان، واقع مأساوي يخلو من الرقابة الصحية ما يجعل السجينات اكثر عرضة للأمراض ومن دون توفر العلاج اللازم، اذ تفيد الشهادات بان ادارات السجون ترغم النساء على تناول مواد لتثبيط  وكبت الرغبة الجنسية لديهن مما يسبب لهن تعفن بالأمعاء وسوء الهضم ومشاكل صحية عديدة ربما تنهي حياة الكثيرات. اضافة الى وجود نساء حوامل مكدسة مع العشرات الاخريات داخل زنزانة لا تدخلها اشعة الشمس اضافة الى سوء التغذية وعدم مراعاة وضعهن الصحي من خلال الزيارات الدورية للأطباء لمتابعة حالتهن كحوامل واجنتهن، فعادة ما تجهض العديد منهن بسبب مكوثهن داخل السجون التي تفتقر لأبسط مقومات العيش، بالإضافة الى ان عدد كبير منهن يتعرضن الى الولادة المبكرة، وهنا بالتأكيد لا يتم اسعافها ونقلها الى المستشفى الا من تملك المال اذ تتعمد ادارات السجون الى تجاهل مخاض النساء والام الطلق فتبدأ الحارسات بالشتم والتعنيف اللفظي في حال صرخت المرأة اثناء المخاض ولا يتم التجاوب معها واخذها لمستشفى تلد فيها الا عندما تضمن الادارة تسلمها المال الازم من اهل السجينة، ومن لم يكن لديها من يزورها فعليها تحمل الالم والولادة بزنزانة الانفرادي لحالها.

ووجود الأطفال داخل السجون

عادة ما تمنع السجون وجود الطفلات/الأطفال داخلها بعد عمر سنتين، لكن هذه القاعدة لا تنطبق على السجون في العراق التي تكتظ  بالأمهات واطفالهن بمراحل عمرية مختلفة فنجد من عمر يوم الى 15 سنة في الوقت الذي من المفترض ان يتوفر مكان خاص بالأطفال، ذات ظروف عيش تتلاءم مع الحياة الطبيعية التي يعيشها أقرانهم خارج السجن، يمكث العشرات من الاطفال المصاحبين لأمهاتهم السجينات خلف قضبان الحديد في غرف متهرئة تتداخل فيها المراحيض، كما لا تتوفر لهم مستلزمات الحياة اليومية من مأكل وملبس ورعاية، فعادة ما تسمح الادارات للأطفال بالخروج الى باحة السجن لنصف ساعة فقط يومياً، معظمهم  دون اوراق ثبوتية وجميعهم بلا تعليم ويرفض أقاربهم احتضانهم،. بالرغم من الظروف النفسية والصحية المزرية التي يعانون منها ومستقبلهم المجهول. اما الدولة ومؤسساتها المعنية بحماية هؤلاء الاطفال وضمان بيئة صحية سليمة لهم تتضمن برامج علاجية وتأهيلية وتعليمية بهدف اعادة زجهم في المجتمع، نجدها تغض النظر عنهم وتتنصل من واجبها اتجاههم ما ينتج لنا اجيال امية مضطربة غير قادرة على الاندماج في المجتمع.

ظاهرة التحرش

تتكرر ظاهرة حدوث التحرش بالنساء داخل السجون العراقية، فعمليات الاغتصاب وسحق كرامة النساء تجري على قدم وساق، وتستخدم كأسلوب ممنهج لتعذيب النساء داخل تلك المقرات الوحشية التابعة للنظام، ففي خضم الاوضاع السياسية الراهنة للبلاد وانعدام ملامح الدولة الانسانية، وسط انتشار الفوضى والفساد وغياب القانون وتصاعد وتيرة عمليات المحاصصة والمحسوبية، تستمر السلطة بإيذاء السجينات وتسلط العاملين في السجون من الحرس وضباط الامن للاعتداء عليهن، والذي يلي تلك الممارسات هو عملية قتل النساء من قبل ذويهن بدواعي “الشرف” تلك الحوادث التي راح ضحيتها العديد من النساء، وبمساندة القوانين التي تبيح قتل الضحية وافلات المجرم من العقاب. كما ولا تسلم النساء اللواتي يقمن بزيارات الى قريباتهن داخل السجون من التحرش والمضايقات ايضا اذ تمر تلك النساء بمراحل تفتيشية بأساليب مهينة عند قيامهن بزيارات قصيرة داخل تلك القاعات ويخضعن للتفتيش من قبل السجانات اللواتي يتعمدن اذلالهن وانتهاك خصوصية اجسادهن.

انعدام الحماية

لا تحظى النساء في العراق بأية حماية فعلية، وبمعزل عن اكثر القضايا الاجرامية وظواهر القتل التي انتشرت في الآونة الاخيرة والتي طالت العديد من النساءش في البلاد، اخذت في كل مرة تميط اللثام عن هول ما تعيشه النساء تحت ظل حكم النظام الذكوري المترسخ داخل النظام البرجوازي الطائفي القومي الحاكم. فعلى اشلصعيد الاجتماعي وخلافاً للسجناء من الرجال، تكون معاناتهن مزدوجة بسبب وضعهن كأفراد من الدرجة الثانية ما يكرس من النظرة الدونية لهن. فشعور “العار” يلاحقهن حتى لو ثَبتت براءتهن،  تبقى النساء مدانات بنظر المجتمع  ويتم عقابهن وتلصق بهن “وصمة العار” ولا تلحق بالرجال المسجونين بذات التهم. فالبعض منهن تتبرأ اسرهن منهن وترفض استقبالهن مما ينتهي الامر بهن مشردات في دور الايواء، والبعض الاخر يتم قتلهن من قبل ذويهن او اقربائهن تحت مسميات “غسل العار” حيث تحتل قيمة “الشرف” مكانة مركزية لدى المجتمعات الرجعية واعرافها السائدة وذلك بدعم وتشجيع السلطة التي تتنصل عن مهامها بتوفير الحماية للنساء وتترك التعامل لذكور الاسرة سواء يقتلونهن ام يرمونهن وسط الشوارع.

عن Albadeel Alsheoi

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

النظام الايراني يواصل قتيل النساء

أصيبت امراة إيرانية، تُدعى أريزو بدري (31 عاماً)، بشلل نصفي بعد رميها برصاص الشرطة الإيرانية، ...

نتنياهو يدخل التأريخ، ولكن كمجرم حرب!

(الرأسمالي الذي يصنع التابوت، يبتهج لانتشار الطاعون – ماركس) (الحرب ليست ظاهرة مُستقلة، ولكنها امتداد ...

رشيد الحسيني والتهديد بالقتل

جلال الصباغ لا تختلف خطابات رجال الدين كثيرا، فجميعهم يمثلون التيار الرجعي المتخلف، المعادي لكل ...

جريدة الغد الاشتراكي العدد ٤١

لقراء الأعزاء ، تصفحوا جريدتكم ( الغد الاشتراكي ) في عددها ( ٤١) لقراءة الجريدة، ...

هيمنة قوى الإسلام السياسي ورأس المال الرمزي

طارق فتحي ((الهيمنة هي شكل من أشكال السيطرة المبنيّة على الجمع بين القوة والقبول اللذان ...