حول تعزيز القوات العسكرية الامريكية في العراق ومنطلقات سياستنا

مؤيد احمد
تتجه انظار المجتمع منذ فترة ليست بقليلة نحو تصاعد دور أمريكا العسكري والسياسي في العراق. في مواجهة هذا الوضع، تتصاعد الأصوات من داخل بعض أوساط الجماهير في وسط وجنوب العراق بضرورة اخراج القوات الامريكية من العراق، ولكن وبالمقابل، هناك أوهام داخل قطاعات أخرى من الجماهير تفضل الوجود الأمريكي لكونه سيضع حدا لحكم تيارات الإسلام السياسي وتطاولات الميليشيات وسيطرتها على الحكم ومقدرات الجماهير. كما وفي هذه الأجواء، كثيرا ما نسمع تصريحات يدلي بها ممثلو القوى الميليشية المسلحة والفاعلة في العراق، والتي هي بالأساس موالية لإيران، تؤكد على ان تنصاع أمريكا لطلبهم السياسي بترك العراق والا سيلجؤون الى طرد تلك القوى عن طريق العنف و”المقاومة”، أي الاعمال العسكرية والعنيفة. القصة لا تنتهي هنا، بل تذهب الشائعات ابعد من ذلك وتتخيل سيناريوهات مختلفة منها احتمالات قيام أمريكا بانقلاب عسكري في العراق، او اخذ زمام الامور بأيديها مباشرة خلال الفترة القليلة القادمة. اما فيما يخص حكومة عبد المهدي فأنها اكتفت بإعلان عدد القوات الامريكية في العراق والتأكيد على ان مهمة تلك القوات هي فقط لتدريب قوات الحكومة العراقية.
تتغير ردود الأفعال حول هذه التطورات في المناطق الغربية من العراق، الرمادي وصلاح الدين وغيرها، وفي إقليم كوردستان، حيث ان المنطقتين متأثرتين بالأساس بنفوذ الأفق السياسي واستراتيجيات القوى القومية والإسلامية -القومية السائدة هناك. هذه الافاق، خلقت اوهاما لدى بعض أوساط سكان هذه المناطق، اذ ومن حيث اتجاهها العام، ترى أمريكا اهون الشرين في الخيار بين قوى تيارات الإسلام السياسي الشيعي وميليشياتها وبين امريكا.
فما هو اذن موقف الشيوعيين وتحديدا منظمة البديل الشيوعي من هذه المسألة؟.
موقفنا السياسي تجاه تدخلات أمريكا في العراق هو ادانتها ومناهضتها والنضال من اجل انهاء وجودها العسكري فيه. نحن كمنظمة شيوعية وبروليتارية فاعلة داخل العراق وكفصيل اممي من فصائل الحركة الشيوعية العالمية والبروليتارية نناهض بشدة سياسات واستراتيجية أمريكا داخل العراق ونقف بوجه الصفقات والارتباطات التي تعقدها السلطات الحاكمة في العراق وبعض القوى السياسية مع أمريكا لتحقيق مصالحها واستراتيجيتها.
ان تاريخ هذه الدولة الإمبريالية، ومنذ ان أصبحت قطبا دوليا إمبرياليا وشرطي العالم، هو تاريخ ارتكاب الحروب والمجازر الشنيعة وممارسة إرهاب الدولة بأبشع اشكالها وتدمير المجتمعات. وهو تاريخ فرض الأنظمة الدكتاتورية على بقاع الأرض المختلفة، وتقوية الإسلام السياسي، بشقيه السني والشيعي والطائفيين والقوميين من مختلف الاشكال والقوميين- الفاشيين والعسكريين المستبدين، في منطقة الشرق الأوسط، وفرضها على جماهير العمال والكادحين والتحررين على مر العقود.
ان المآسي المهولة التي عانت منها الجماهير في العراق وبالأخص خلال 3 عقود الماضية بسبب حروب أمريكا المتتالية على العراق وحصارها الاقتصادي على هذه البلاد وجرائمها البشعة بحق المواطنين، بدأً من تسليم السلطات الى تيارات الإسلام السياسي والقوميين والطائفيين وصولاً الى بناء النظام السياسي في العراق على أساس المكونات والتقسيمات الطائفية والقومية، جميعها كوارث لا يمكن غض الطرف عنها للحظة. علينا ان لا ندع أحد يخدع الجماهير بدعوته الى اهمال تلك الجرائم والسياسات بذرائع سياسات نفعية محلية تخدم من حيث الأساس التيارات والأحزاب الإسلامية والقومية والنيو ليبراليين الرأسماليين.
لم تكن الحرب والدمار والهلاك التي مارستها أمريكا ضد العراق خلال العقود الماضية الا امتدادا لسياسة فرض هيمنتها العسكرية والسياسية ومصالحها الاقتصادية بوجه رقبائها العالميين من التكتلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الامبريالية. اذا فمساعي أمريكا الحالية لتثبيت وجودها وتعزيز قواتها العسكرية في العراق، كما صرح به ترامب قبل فترة، تشكل حلقة أخرى من حلقات تلك السياسة والاستراتيجية التي تبنتها وبالأخص منذ 2003 ،ولكن في ظروف أخرى وتوزان قوى آخر، دولية وإقليمية وبذرائع جديدة.
ليست ذرائع أمريكا، كمحاربة داعش والحد من تدخل إيران في المنطقة، إلا للاستهلاك المحلي والعالمي، اذ هناك حسابات جيوسياسية ابعد تتبعها أمريكا على صعيد المنطقة وتريد ،انطلاقا منها، إبقاء وتعزيز قواتها بشكل ثابت في العراق. مهما كانت الذرائع، فان استمرار وجود القوات الامريكية في العراق وتعزيزها ليست سوى تجسيد لهيمنة أمريكا على الحياة السياسية في البلاد واستمرار احتلالها له بشكل أخر.
ان الموقف السياسي العملي، الشيوعي والاممي، هو الوقوف بوجه هذه الهيمنة السياسية وهذا الاحتلال ،شبه المقنع، من خلال شن الحملات السياسية الواسعة وتنظيم مختلف اشكال الاحتجاج الجماهيري السياسي والمدني بوجه تواجد هذه القوى في العراق وبوجه استخدام العراق لاي شكل من اشكال العمل العسكري والمراقبة ضد أيا كان في المنطقة.
من الواضح بانه من واجب الشيوعيين والتحررين والعمال والكادحين ان يقفوا بحزم ضد سياسات أمريكا في تحويل العراق الى قاعدة لشن أمريكا الحرب على إيران ومكانا لأمرار مخططاتها المناهضة للجماهير في إيران. تعمل أمريكا، كما هو معلوم، وضمن سياق حملتها ضد النظام الإيراني، على تقوية وتسليح وتمويل الأحزاب والمجموعات القومية والطائفية والمليشياتية المتنوعة المعارضة لهذا النظام من أمثال “مجاهدي خلق ” وغيرها بغية أمرار مصالحها وتكرار سيناريوهات العراق وسوريا وهذه المرة في ايران. انها تقوم بذلك، وقبل كل شيء، لسد الطريق امام تطور نضالات الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والحركة الشيوعية في إيران لإيجاد التغيير الثوري في ذلك البلد.
ان السياسة البروليتارية والشيوعية الصحيحة هي سياسة التصدي لحرب أمريكا على ايران وتدخلاتها ومخططاتها الرجعية تجاه هذا البلد، وبشكل متزامن الوقوف مع صف الطبقة العاملة والجماهير التحررية والحركة الشيوعية والتحررية في ايران ونضالها في سبيل التخلص من جمهورية الإسلامية في ايران والسير نحو بناء حكومة عمالية مكانها.
هنا، ذو أهمية بمكان ان نوضح بان موقفنا المناهض لتواجد القوات الامريكية وتعزيزها في العراق نابع من هذا الموقع الطبقي العمالي والشيوعي الاممي. فهو موقف معاكس ومناهض لمواقف الطبقات والتيارات والأحزاب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة في العراق التي تطرز السياسة تجاه وجود القوات الامريكية في العراق وحربها على إيران وفق مصالحها الرجعية وحساباتها المحلية والنفيعة المناهضة للجماهير.
ان الموقف البرجوازي القومي او الإسلامي – (والأخير سوءا كان مواليا لإيران او مؤيدا لهذا او ذاك من تيارات الإسلام السياسي السني في المنطقة) – او موقف القوميين “المدنيين” أي “الوطنيين” العراقيين المُنطَلقينَ من زاوية المصالح القومية للبرجوازية العراقية، فيما يخص هذه المسالة، لا علاقة له البتة بموقف الشيوعيين البروليتاريين في مناهضة أمريكا ودورها في العراق والمنطقة.
ان مناهضة سياسة أمريكا وانهاء وجودها العسكري في العراق، في الوقت الحاضر ومن وجهة نظرنا، هي سياسة اشتراكية اممية بالأساس، سياسة تستهدف تقوية نضال البروليتاريا الاشتراكي ضد البرجوازية واحزابها وتياراتها في العراق وأمريكا وداخل ايران بشكل متزامن ،هذه السياسة الأممية، هي في جبهة معاكسة لتلك التي يقف فيها الاخرون من تيارات الإسلام السياسي والقوميين في مناهضتهم للوجود الأمريكي. ان تصريحات الميليشيات في العراق وصيحاتهم بشأن الأعداد لمواجهة أمريكا، قبل ان تكون مقاومة للوجود الأمريكي، هي في الحقيقة تهديدات لترهيب الجماهير وشد الخناق عليها وتثبيت قبضة حكم هذه الميليشيات داخل العراق، لذا فهي سياسة مطرزة لحماية النظام الإيراني وجرائمه و قمعه واعداماته.
ان الاستقطاب الطبقي المعاصر، وعلى هذا الأساس وبدرجة معينة، الاستقطاب السياسي الحاصل في العراق الحالي، لا يدع أي مجال للشك بانه من غير الممكن خلط الجميع في معسكر واحد باسم جماهير العراق الواحدة و”الوطن العراقي” الواحد. هناك في العراق “أمتان” مثلما هو الحال في جميع البلدان الرأسمالية في العالم، حيث هناك طبقتان اجتماعيتان أساسيتان، البروليتاريا والبرجوازية، فلا يمكن خلط سياستهما وممارستهما تجاه اية مسالة قد تكون في سلة واحدة. هكذا الحال فيما يخص الموقف من الوجود العسكري الأمريكي في العراق وتعزيز قواها فيه وفيما يخص النضال من اجل انهاء تواجد قواها في العراق.
ان البرجوازية وتياراتها السياسية الحاكمة والمعارضة في العراق مرتبطة بشكل غير قابل للتفكيك بالقوى الامبريالية والإقليمية، وهي جزء من عناصر ومكونات الوضع السياسي الحالي في العراق، الخروج من دائرة هذا الواقع لا يتحقق من داخل هذه القوى. ان أوهام البرجوازيون الصغار بنشر تحقيق الخلاص من هذه الدائرة بالجمل الناعمة واللطيفة وبتعابير مثل “الوطن العراقي” والدفاع عن “مصالح البلاد” وبالأسناد على سلطات هذه القوى ليس الا نشر المزيد من الأوهام.
ان توحيد صف النضال للطبقة العاملة والكادحين والتحررين في جميع انحاء العراق وترسيخ الروابط الأممية والنضال الاممي الاشتراكي والثوري هو الذي بإمكانه وحده ان يقود نضالات القطاعات الواسعة من الجماهير صوب الخلاص من قبضة الأنظمة المتسلطة على رقاب الجماهير والخلاص من براثن الرجعية الامبريالية والإقليمية في هذه المنطقة. ان سياسة مقاومة تدخل أمريكا وايران والسعودية ودول المنطقة في العراق باتت مرتبطة اكثر فاكثر بنضال الطبقة العاملة والجماهير الكادحة وقيادتها الشيوعية والثورية وتحقيق الأممية التي تستهدف تامين الأمان والسلام والرفاهية لسكان المنطقة برمتها.
20-2-2019

عن Albadeel Alsheoi

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

جريدة الغد الاشتراكي العدد 37

القراء الأعزاء صدر العدد (٣٧) من جريدة ( الغد الاشتراكي ) وهي تغطي ابرز الأحداث ...

حول أوضاع المرأة الريفية في العراق

اقبال صلال من المعروف إن الزراعة هي المحرك الأساسي في المجتمعات الريفية، ومن المعروف ايضا إن ...

الثامن من اَذار 2024، تحديات وافاق النضال النسوي التحرري في المنطقة

يمر النظام الراسمالي حاليا باحدى اكبر واعمق ازماته التاريخية. ويبدو ان احدى بؤر هذه الازمة ...

حول حركة سلم الرواتب

جلال الصباغ    "الصورة لا تزال غامضة، لكن يجب في كافة الأحوال تعديل سلّم الرواتب القليلة ...

ما بين أجور نائب وعامل

طارق فتحي نشرت بعض وسائل الاعلام التكلفة الاجمالية لمجلس النواب في العراق، والمكون من 325 ...