العاملون في الأسواق والمتنزهات وتحديات توفير لقمة العيش

تحقيق أجراه للغد الاشتراكي : جلال الصباغ

يعاني قطاع العمالة الهشة وعمال القطاع الخاص من عدم حصولهم على الضمان الاجتماعي أو أي شكل من اشكال الدعم والمساندة، فرغم سنوات العمل الطويلة تمتنع اغلب الشركات وأصحاب رأس المال من تسجيل العاملين لديهم في صندوق الضمان. كما لا تقوم وزارة العمل بتسجيل الملايين في قطاع العمالة الهشة. وبالنتيجة لا يجد كبار السن من العمال او عند تعرضهم للحوادث أثناء العمل أي ضمانات أو حقوق تعينهم على تحمل مشقات الحياة بعد فقدانهم القدرة على العمل.

أن العامل في العراق يرزح تحت “مصائب” عدة اهمها عدم تطبيق قانون العمل، كما يبقى كثير من العمال دون معيل جراء إصابات أو حوادث يتعرضون لها. ناهيك عن تخلي الدولة عن مسؤولياتها تجاه توفير فرص العمل للمواطنين من الاساس. وذلك بعد أن بلغت نسبة الفقر في العراق بالعديد من المحافظات الى اكثر من 50%. وإلى جانب كل تلك العوامل، فإن انخفاض دخل العامل يجعل من الصعب عليه تحمل اعباء المعيشة الغالية، ما يضطره في كثير من الاحيان اما البحث عن عملين او الاضطرار للعمل بساعات طويلة من اجل توفير لقمة العيش اليومية له ولأسرته.

جريدة الغد الاشتراكي اجرت حوارا مع عدد من عمال الاسواق والمتنزهات ووقفت على طبيعة اعمالهم وما توفره لهم، بالإضافة الى التحديات التي تواجههم بشكل يومي.

الغد الاشتراكي: في البداية نود أن تشرح لنا طبيعة وظروف عملك، وكم هي عدد ساعات العمل، وما هي المخاطر والتحديات التي تواجهكم في عملكم هذا؟

وقد اجاب يوسف باقر وهو عامل من مواليد 2001 قائلا: ( اعمل حمالا في الشورجة، وهذه مهنة والدي منذ سنين وظروف العمل كما تشاهد -ع التساهيل -.  انقل البضائع على ظهري من ساحة الرصافي الى محلات الشورجة يصل احيانا وزن البضاعة الى 70 كغم، واحيانا اخرى استعين بعربة دفع يكون وزن البضاعة المنقولة في العربة اضعاف البضاعة التي احملها على ظهري وهي شاقة ومجهدة في كلا الحالتين بسبب الازدحامات وحرارة الجو خاصة في فصل الصيف).

واضاف يوسف : (ان ساعات العمل غير متساوية، واحيانا تصل الى 12 ساعة فانا اتقاضى الاجر حسب تراكم وصول البضائع، ولا اخفي عليك فان الاجر غير كافي، فصحاب المحل يعطيني الفي دينار مقابل كل حمل وهذا الامر غير ثابت فبعض التجار يعطونا اكثر وقد يصل الى 3000 الاف دينار).  

واكد يوسف : ( ان المخاطر كثيرة منها الجو اللاهب بالحرارة وضربة الشمس الحارقة وايضا التعرض الى الصدمات مع السيارات والمارّة، فأنا في العام الماضي تعرضت للسقوط وسط الشارع بسبب الجهد و وزن البضاعة التي احملها ورقدت في فراشي اسابيع بدون اي اهتمام غير عائلتي التي ليس لها معين غيري).

 

من جانبه قال ابو نور وهو يعمل في متنزه ابي نؤاس 🙁 انا اعمل في مشروع بسيط ولدي بسطية ابيع فيها لعب الاطفال كما اقوم بالرسم على وجوه الاطفال، اما من ناحية المخاطر الفعلية فلا توجد. وبالنسبة للتحديات فهناك العديد منها  ابرزها ان الأمانة – امانة بغداد-  يمنعون البسطيات ويسمحون للمتجولين، لكن في الآونة الأخيرة فتحت البسطيات التابعة لهم  في كل مكان تقريبا، وهم يتشددون علينا نحن الذين لسنا من اصحاب النفوذ والعلاقات، ودائما ما يهددونا بالقول : ” عزلوا اجه مسؤول”، كما انهم يجبرونا بالقول لا يحق لكم رفع اعلان او لافتة الرسم وليت شعري كيف يعلم العامة ان هنالك رسام بدون اعلان يفصح عن ذلك. اما عن ساعات العمل فهي بحسب الزخم المتواجد في الكورنيش وفي الشتاء تكون من الثانية ضهرا إلى العاشرة ليلا. ومن الأمور الأخرى، كانوا يأخذون منا أجور بعنوان وهي عبارة عن اتاوات وقدرها خمسة آلاف يوميا،  وما أن فتحوا هم قاموا بإلغاء هذا الامر.

 اما احمد عايش وهو بائع متجول في متنزه ابي نؤاس ايضا فقال : ( في ضل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، باتت ابسط الطموحات غير مضمونة. كان لابد لي ان اترك المرحلة الاخيرة من صفوف المدرسة الاعدادية، والتحق في ميدان العمل وكسب قوت اليوم مبكراً، ولكي اكون صادقاً اكثر، لم تكن الظروف المادية وحدها هي من جعلتني اترك الدراسة، ولكني شعرت بضرورة سلك طريق مختصر للاعتماد على نفسي، وادراكاً مني بعجز الدولة بكل مفاصلها. وانا اعمل حالياً بائع متجول لمدة عشر ساعات يومياً. اما بالنسبة للمخاطر فهي كثيره لان الخطورة لا يخلو منها اي مكان في هذا البلد، وتتمثل الخطورة برجال السلطة نفسها ومن يتبع لهم من جماعات خارجه عن القانون، والتي قد تصل في بعض الاحيان لفرض اتاوات لكي يتركونا نبيع بعض الورود او البالونات الى المارة!   

الغد الاشتراكي: إلى اي مدى تجدون ان الأجور التي تكسبونها سواء من رب العمل او من عملكم الشخصي كافية لمتطلبات الحياة الخاصة بكم وبعائلاتكم وسط ظروف الزيادة في الأسعار وضعف القدرة الشرائية؟

وفي معرض اجابته عن هذا السؤال اجاب احمد عايش : ( اما بالنسبة للأجور فهو مجرد اجر كفاف لتبقى على قيد الحياة تتنفس الصعداء في ضل امواج الغلاء.

من جانبه اجاب ابو نور : ( اما بالنسبة إلى الربح الذي احققه فهو مناسب الى حد ما، لكن عملي  وللسنة الثانية في الكورنيش تقريبا غير مضمون ولا دائم فهو يعتمد على عدد من الامور التي ذكرت قسم منها في السابق).

اما يوسف باقر فقال : (  الأجور رمزية ولا تكفي ونحن نعيش حالة تقشف مستمر فمثلا، لا نشتري اللحوم قطعا لأن اسعارها باهظة وانا علي ان اوفر مقدار من المال للظروف مثل احتياجات طبية او عطل كهربائي في البيت، نحن العمال والفقراء لا نأكل اللحوم ولا الطعام الذي يأكله الغني، الاهم عندنا هو الخبز كي لا تجوع اطفالنا، فأنا عندي طفلة عمرها سبعة اشهر علي ان اشتري لها الحليب والحفاظات، فهي كل حياتي واخاف ان تجوع او تمرض. اسعار السوق ترتفع واجورنا لا تسد الا حاجاتنا الاساسية.   

الغد الاشتراكي:  العمال والمعطلون عن العمل هم بالملايين، لكنهم لا يستطيعون فرض ارادتهم على السلطة فما هي الأسباب بحسب ما ترون؟

وحول الاجابة عن هذا السؤال اجاب ابو نور العامل في كورنيش ابي نؤاس قائلا: (هنالك العديد من الاسباب التي تمنع العمال من فرض ارادتهم وابرزها، الجهل بالقوانين العمالية والتجهيل المتعمد الذي تمارسه مختلف الجهات، كما يلعب عدم التنظيم وتحديد الاهداف المحددة وكذلك لعب الاحتلال والتدخل الدولي والاقليمي دورا في ضعف العمال، فالعراق محتل ويتحكم به الامريكيون والايرانيون والاتراك وغيرهم. كما ان الخوف من ارهاب السلطة وسطوتها جعل الكثيرين لا يقدمون على المواجهة. وايضا لعبت المؤسسة الدينية دورا في اعاقة تطور الحركة العمالية من خلال تخدير الجماهير وبث الأوهام).  

وحول ذات الموضوع اجاب احمد عايش قائلا : (  ولان الجهل هو السائد في صفوف العمال والعاطلين والتجهيل الممنهج من قبل رجال السلطة وقبله رجل الدين، وهو من اهم الاسباب التي جعلت هذه الطبقة من المجتمع ليس لها صوت او تأثير، فهي لا تعلم من الاساس ما هو سبب فقرهم او حاجتهم او يشعرون بقناعه تهدئهم بعض الشي ليعيشوا على امل مزيف).

 

في حين اجاب يوسف باقر قائلا: (ألم تشاهد ما فعلته السلطة في المتظاهرين عام 2019 !!هي قتلت من طالبوا بحقوقهم المعيشية فكيف تريدني ان انتفض واعترض  ليقتلني رصاصهم  وابنتي تصبح يتيمة وامي المريضة من يهتم بها ويطعمها ويكسوها ؟).

الغد الاشتراكي: كعاملين في قطاع ما يسمى بالعمالة الهشة اي العمالة غير المضمونة، ما هي مطالباتكم وهل تسعون وتناضلون من أجل شمولكم بالضمان الاجتماعي والصحي والحصول على التقاعد؟

وقد اجابنا يوسف باقر : ( ماذا تقصد بالعمالة الهشة، قصدك احنا الحمالين؟ عن اي ضمان تتحدث، لا ضمان ولا تقاعد نحن خارج الكوكب “بس الله يشوفنا” لا احد يعلم بحالنا وهذه اول مرة انت تحاورني وذكرتني بحالنا البائس لا تعيين ولا ضمان ولا تقاعد. والدي كان يعمل حمالا  واحيانا عامل مباني مات بالسرطان وهو بعمر الخمسين وتركنا ايتام. اني حمال واخويه عامل بمطعم وماشية امورنا).

الغد الاشتراكي: هل أنتم مستعدون للانخراط في صفوف النقابات والاتحادات العمالية كجهات مستقلة مدافعة عن حقوق ومكتسبات العمال؟ والا تفكرون بإنشاء نقابة خاصة بكم؟

اجاب ابو نور عن هذا السؤال : ( اكيد الانخراط في نقابات عمالية محدد لهدفها بشكل واضح وواقعي ننخرط في صفوفها وندعمها حسب طاقتنا).

اما احمد عايش فقال : ( لابد من الانخراط في صفوف النقابات والاتحادات العمالية من اجل ايصال صوت هذهِ الطبقة الواسعة والمهمشة والتي قد تكون شبه منسيه فيجب الإشارة لهم كقوة عاملة وطاقات كامنة ومطالبة بحقوقها، ولا فرق بينها وبين ان تكون لنا نقابتنا الخاصة مادام الهدف واحد لتحقيق الغاية المنشودة وهي النهوض بهذه الطبقة الواسعة والمهمة. اما المتطلبات فهي ليست كثيره سوى فسح المجال او اتاحة الفرص للعمل وهناك طبقات غير قادره على العمل وحته البسيط منها، فهم اولى بشمولهم بقانون الضمان الاجتماعي والصحي).

امام يوسف باقر فكان رأيه كالتالي : ( انا لا افهم ماذا قدمت النقابات للعمال نسمع بالنقابات ولا نعرف ما هو عملها، لكن ان كانت هناك جهة تتبنى قضيتنا وتحصل حقوقنا وتضمن لنا تقاعد او ضمان صحي كما تقول فأنا معكم).  

الغد الاشتراكي: كلمة أخيرة تودون توجيهها عبر جريدة الغد الاشتراكي سواء لرفاقكم من العمال في مختلف المجالات؟ وأيضا للسلطات ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية؟

قال ابو نور: ( كلمتنا لرفاقنا هي أن نقول لهم سيروا وانتم فخرنا وبكم تقوي شوكتنا وعلى جميع العمال التوحد والعمل المنظم. اما للسلطات ووزارة العمل فنقول لهم اما آن لكم ان تقفوا مع الطبقة العمالية الكادحة؟).

اما احمد عايش فقال : ( واخيراً اود ان اوجه كلمة لعمال وكادحي هذا البلد الجريح، عليكم بالتسلح بالوعي والعلم ونبذ الخرافة. بالتجهيل استعبدوكم وبالوعي ستحصلون على كرامتكم ليعود كل منا الى مكانه الصحيح فالعامل هو صاحب الارض الذي  من حقه ان يتمتع بجميع حقوقه فيها ورجل السلطة ما هو الا عامل).

في حين اجاب يوسف باقر : ( رسالتي هي، يا حكومة انظروا الى المواطن العامل والكاسب ، انظروا الى الانسان واتركوا بناء الجسور، الجسر الذي بنيتموه روحو طگو يمه صور واستمتعوا. اما احنه فنريد فرص عمل، نريد مصانع نعمل بيها وننتج منها ونعيش بكرامة، يا وزارة العمل انا عامل لكن ما اعرفكم ولا تعرفوني . چا المن مفتحين ! هاي رسالتي. واشكركم لأن تفقدتونا واندليتونا وحاورتونا ).  

تم نشر هذا الموضوع في العدد 40 من جريدة الغد الاشتراكي- تموز

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.