الانتخابات البرلمانية لحكومة إقليم كوردستان؛ إفلاس سياسي وتعزيز للرجعية

بيان منظمة البديل الشيوعي في العراق

انطلقت، منذ عدة أيام، الحملة الانتخابية للدورة السادسة للانتخابات البرلمانية لحكومة إقليم كوردستان، المقرر إجراؤها في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2024، وأصبحت مدن وبلدات كوردستان مسرحاً للحملات الانتخابية للأحزاب؛ سواء الموجودة في السلطة، أو أولئك الذين هم في المعارضة ضمن بنية نفس النظام السياسي الحالي ولكنهم متواجدون خارج الحكومة، بما في ذلك القوميين والإسلاميين والليبراليين الجدد، فضلا عن ممثلي “الأقليات” والمستقلين.

الحديث عن ما يحدث في هذه الحملات، وما تحمله هذه الأحزاب وهذه القوائم للعمال والمعلمين، للنساء والشبيبة والطلاب، للفئات الاجتماعية المحرومة من حقوقها، لذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال؛ أي لمختلف شرائح الطبقة العاملة، وبكلمة واحدة لغالبية الجماهير في كوردستان ، واضح بما لا لبس فيه وهو تكرار نفس سيناريو الخداع وزيف وبطلان وعودهم السابقة للجماهير، ونفس الرسائل التي بعثوا بها حتى الآن، ولكن هذه المرة يضفى عليها المزيد من انعدام الآفاق والمزيد من مجهولية المصير، ورسائل غارقة في القيم الرجعية للاسلام السياسي المعادية للمرأة والمعادية للحرية ومليئة بالتحريض القومي والمناطقي المضلل.

هذه الانتخابات هي انتخابات كبار الرأسماليين في هذا الاقليم، انتخابات زعماء الأحزاب البرجوازية القومية، والاحزاب الليبرالية -القومية ومثقفيهم، هي انتخابات الأحزاب البرجوازية الإسلامية، وما يسمون بـ “المحسنين”! والإصلاحيين داخل هذه الطبقة وهذا النظام السياسي، والذين، بمجملهم، حشدوا جيوشهم وباتوا يخوضون معاركهم  السياسية الانتخابية في كوردستان كي يديموا ضمان سيادتهم الاقتصادية والسياسية وهيمنتهم الفكرية على الكادحين والمحرومين والمفقرين، وبالتالي على المجتمع، وذلك عن طريق جمع أصوات نفس هذه الشرائح،  ولإطالة أمد عملية النهب والسلب وفساد النظام.

في هذه الانتخابات، كما في الانتخابات السابقة، منذ أكثر من ثلاثة عقود، لا يوجد صوت مستقل يمثل الطبقة العاملة، الشابات والشباب العاطلين عن العمل في هذا الأقليم، يمثل المعلمين والموظفين والنساء والفئات الاجتماعية المتضررة من هذه الأوضاع التي خلقها لهم هذا النظام السياسي القومي الكوردي.

في ظل أوضاع انعدام الآفاق التي تخيم على المجتمع اليوم، وفي الوضع الاقتصادي الشاق، وانخفاض الدخل والبطالة وقطع الرواتب، والذي فُرض على معظم السكان في الاقليم، وفي ظل انعدام الخدمات العامة، خصوصا في قطاعي الصحة والتربية والتعليم، وفي ظل كل هذه الأوضاع لم يبق للجماهير اي امل من هذه السلطة، أو من أي حزب معارض، بإحداث التغيير. ولهذه الأسباب، قاطع غالبية سكان كوردستان، نحو 80 بالمئة من الناخبين، الانتخابات السابقة، ووفقا لهذا السياق، ومع تفاقم الوضع بالنسبة لهم، فمن المتوقع أن يتخذوا الموقف نفسه هذه المرة ويسجلوا أصواتهم عبر المقاطعة.

هذه القوى الحاكمة، لم تخلق أزمة اقتصادية حادة للجماهير فحسب، بل هم أنفسهم يواجهون أزمة سياسية شاملة متعددة الجوانب بحيث فقدوا قاعدتهم الجماهيرية ولم يعد أفقهم القومي وخداعهم السياسي ينفعهم، فهم أفلسوا سياسيا لذا لجئوا الى الرجعية الدينية وتحريك أحاسيس التعصب الاسلامي المعادي للحرية واطلاق التهم ضد بعضهم البعض.

وبينما يخفت الصوت السياسي الطبقي المستقل للشرائح المحرومة وصوت الاشتراكية والشيوعية في هذه الانتخابات مؤقتا، تحاول كل الجبهات البرجوازية، بما في ذلك أحزابها الحاكمة والمعارضة، إضعاف هذا الصوت أكثر، وطمره في أعماق الارض ان أمكن واشغال المجتمع بالدعاوي الدينية الرجعية وبالتنافس بينهما . كل ذلك من أجل حرمان الطبقات والشرائح المحرومة في كوردستان  من نيل سياستها الطبقية وبرنامجها السياسي  للتغير الجذري واخراجها من دستور عملها.

في مثل هذه الأزمة السياسية للسلطة القومية، عززت الأحزاب الحاكمة في الاقليم (اليكيتي والبارتي ) خيوط علاقاتهما بشكل أوثق مع الإمبريالية الأمريكية والنظامين الإيراني والتركي، وهما يقومان، بكل جهوزية، بتحقيق المصالح الجيوسياسية لهذين النظامين ولأمريكا. وهكذا، فقد حولوا، أكثر فأكثر، إقليم كوردستان إلى “إدارتين”  وجعلوا من القمع هو القاعدة وفتحوا الطريق، بمشاركة (حركة التغيير) و( الجيل الجديد)،  أمام الإسلاميين للدخول في  مركز السياسة العامة للمجتمع لتثبيت الرجعية واستعباد المرأة في هذا الأقليم.

لكن من الواضح بان المجتمع لا يكف عن التحرك ولن يبقى العمال والنساء والشباب والشرائح الأخرى من الطبقة العاملة من المعلمين والموظفين والكادحين والمفقرين صامتين. لا يوجد لدى البرجوازية الحاكمة في كوردستان حل اقتصادي سوى مواصلة توسيع وتشديد  الصراع الطبقي وتوسيع رقعة الهوة بين العمل ورأس المال، وتعميق الصراعات الطبقية للمجتمع في كوردستان باعتباره مجتمعا رأسماليا تهيمن عليه النيوليبرالية الاقتصادية في كل مكان. وهذا يعني المزيد والمزيد من تمركز ثروات المجتمع في أيدي أقلية محدودة من الناهبين الحزبيين  والميليشيات والرأسماليين، كما يعني اتساع نطاق البطالة والفقر لغالبية الجماهير اكثر وأكثر. وان مسألة من سيفوز في الانتخابات لا يقلل قيد شعرة من هذه الحقائق الطبقية.

إن طريق الخلاص من الوضع الراهن هو توحيد صفوف نضال الطبقة العاملة والفئات المفقرة والكادحين خارج العملية الانتخابية والبرلمانية. على هذه الجبهة الطبقية أن تتعلم من مقاطعتها لهذه الانتخابات ومن السيناريو الرهيب الذي نظمته البرجوازية في هذه الانتخابات وذلك من أجل تعزيز صفوف نضالها الطبقي المستقل أكثر فأكثر كي  تتمكن من تغيير ميزان القوى الطبقية في المجتمع لصالحها وتنظيم قواها وحتى التموضع داخل خندق الانتخابات لتسخيرها ضدهم في المستقبل.

تقف(منظمة البديل الشيوعي في العراق) في جبهة الطبقة العاملة والشباب والنساء المضطهدات،  وحيال  هذه الانتخابات، تقف في جبهة المقاطعة ولا تعلق أي أمل على هذه الانتخابات في تحقيق أي تغيير جذري أو حتى اي تغيير مجدي عن طريقها.

4 أكتوبر 2024

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.