في ذكرى كومونة باريس

مؤيد احمد

 يمر اليوم (18-3-2021) مئة وخمسون عاما على كومونة باريس. الإقبال الكبير، عالميا، على أحياء ذكرى كومونة باريس، جزء من الاهتمام المتنامي عالميا للبحث عن الخلاص الثوري من مآسي الأوضاع الراهنة وفهم تجارب الثورات البروليتارية.

The overthrow of the statue of Napoleon I which was on top of the Colomne Vendome, during the civil war between the Third Republic and the Paris Commune, following the Franco-Prussian war.

خلفية كومونة باريس تعود لعام 1848، وخاصة يونيو (حزيران) من ذلك العام، عندما انتفض عمال باريس كقوة سياسية طبقية مستقلة ونظموا صفوفهم بشكل مستقل عن الديمقراطيين البرجوازيين ورفعوا شعار “الجمهورية الاجتماعية” بالرغم من أي غموض كان لديهم حول الشعار.

أظهرا كتابا ماركس، “الصراع الطبقي في فرنسا” و “18 برومير- لويس بونابرت”، بشكل خلاق، مسار النضال الطبقي والأحداث السياسية في فرنسا خلال ثورة 1848وما آلت إليها من تطورات. كما وتناول ماركس تأسيس كومونة باريس وما لاقته من مصير، كأول دولة بروليتارية في كتابه “الحرب الأهلية في فرنسا”. هذا، وفي الذكرى العشرين للكومونة، يصفها فريدريك إنجلز بأنها كانت “ديكتاتورية البروليتاريا”.

دروس وتجارب الكومونة كثيرة وشاملة، ولكن من الناحية السياسية أعطت أهم تجربة للطبقة المضطهدة العالمية حيث، ولأول مرة، وبالرغم من أية نقطة ضعف، أتت بالدولة البروليتارية الى مسرح التاريخ العالمي، أي بالدولة التي وصفها ماركس بكونها ” الشكل السياسي الذي تم اكتشافه أخيرا، والذي من الممكن أن يتحرر العمل في إطاره” (لينين-الدولة والثورة).

جميع دروس وخبرات كومونة باريس، ترتبط مباشرة بالصراع الطبقي البروليتاري في عصرنا الحالي. إن معسكر البرجوازية وأعداء الطبقة العاملة والكادحين في جميع أنحاء العالم، مستعدون دائماً لوقف القتال فيما بينهم وتحويل أسلحتهم وأفواه مدافعهم إلى صدور البروليتاريا المعاصرة، تماماً كما فعلت البرجوازية الألمانية والفرنسية لقمع كومونة باريس وارتكاب جريمة بشعة قل مثيلها في التأريخ. تلك الجريمة التي راح ضحيتها حوالي 30,000 من الكومونيارد، وتشردْ واعتقال وهجرة آلافا آخرين.

تتقاتل البرجوازية القومية والإسلامية الحاكمة في العراق فيما بينها، ولكنها، في مواجهة البروليتاريا وانتفاضة أكتوبر، تتوحد كقوة قمعية واحدة، غير مبالين بمقتل أكثر من ألف من مناضلات ومناضلي انتفاضة أكتوبر في الوسط والجنوب وعشرات المتظاهرين في كردستان.

في عهد الرأسمالية الإمبريالية المعاصرة وسيادة الرجعية السياسية التامة للبرجوازية العالمية، الحروب، العسكرتارية، والصراع الجيو -استراتيجي، فإن كومونةً اشتراكية وأممية هي التي وحدها يمكنها أن تكون الحل لتحرير بروليتاريا في عهدنا الحاضر.

 في سياق بحث الدروس والخبرات من كمونة باريس، ينبغي أن نشير الى سياستها الاقتصادية كذلك. في مقال لـ مايكل روبرتس، وهو اقتصادي ماركسي في بريطانيا، نُشر على موقعه على الإنترنت، في ذكرى كومونة باريس، وفي سياق شرح السياسة الاقتصادية للكومونة، استشهد بقضية مهمة جداً وهي أسباب عدم استيلاء الكومونة على البنك الفرنسي، في الوقت الذي كانت تستطيع أن تفعل ذلك. هنا يشرح الكاتب لماذا لم تقدم  الكومونة على ذلك، وهو عمل لم ينجز و تعتبر واحدة من نقاط ضعفها. ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب، ومنها النظرة البرودونية إلى دور البنك، والتي سيطرت على أفكار بعض قادة الكومونة ويستمر الكاتب بالقول:

“لماذا لم يتولى قادة الكومونة السيطرة على البنك؟ حسنًا، غالبية مندوبي الكومونة لم يكونوا اشتراكيين، بل ديمقراطيين جمهوريين. الجناح الاشتراكي كان أقلية، وضمن تلك الأقلية الاشتراكية، كان الماركسيون أقلية أصغر. معظم الاشتراكيين كانوا من أتباع برودون، رأوا إن الاشتراكية تأتي من السيطرة النقدية، أي من خلال استخدام الائتمان. كان الرجل المسؤول عن الشؤون المالية للكومونة، تشارلز بيسلاي، صديق برودون، لديه قناعة عمياء بالمصارف والتمويل بشكل عام، وكان عضوًا في الأممية الأولى منذ عام 1866، وكان له تأثير كبير في الكومونة. بيسلاي كانت له خلفية رأسمالية، حيث يمتلك ورشة عمل تضم 200 عامل”.

ان الاستفادة من هذه التجربة، وكسب الاشتراكيين لوضوح الرؤية بخصوص السياسة الاقتصادية للحركات الثورية والانتفاضات المعاصرة، تتسم أهمية خاصة. من الواضح طبعا، انه، وفي عهدنا الراهن، وبعد 150 عاما على كومونة باريس والتطور الرأسمالي العالمي، فان السياسية الاقتصادية لأية حركة تسمي نفسها ثورية حقا هي الاشتراكية. ولكن مسالة مصادرة المصارف الرئيسة، بوصفها احدى مكونات هذه السياسة الاقتصادية في أطوار سير العملية الثورية وأخذها بنظر الاعتبار، أمر مهم جدا.

لقد أشار ماركس وانجلز الى احدى نقاط ضعف كومونة باريس بانها لم تُقدم على مصادرة المصرف الرئيسي الفرنسي” البنك الفرنسي” الموجود في باريس، بالرغم من إمكان الكومونة القيام بذلك. يقول مايكل روبترس ان ماركس، وبعد عشر سنوات من قمع الكومونة، قال إنها ربما تكون قد نجت لو تم الاستيلاء على بنك فرنسا، ويشير الى ما قاله ماركس بهذا الصدد:

” بالإضافة إلى كونها مجرد انتفاضةُ مدينةٍ، في ظل ظروف استثنائية، فإن غالبية الكومونة لم تكن بأي حال من الأحوال اشتراكية، ولا يمكن أن تكون كذلك. ومع ذلك، بقليل من الفطرة السليمة، كان بإمكانها الحصول من فرساي على حل وسط يناسب جميع الناس- الهدف الوحيد الذي يمكن تحقيقه في ذلك الوقت.”

كما ويشير م. روبرتس الى انه بعد مضي حوالي 45 عاما على ثورة أخرى أشعلتها الحرب، وهزيمة الطبقة الحاكمة، استذكر لينين هذا الدرس من هزيمة كومونة باريس بقوله:

“البنوك، كما نعلم، هي مراكز الحياة الاقتصادية الحديثة، ومركز العصب الرئيسي للنظام الاقتصادي الرأسمالي بأكمله. إن الحديث عن “تنظيم الحياة الاقتصادية” والتهرب من مسألة تأميم البنوك، يعني إما خيانة بأعمق مستويات الجهل أو خداع “عامة الناس” بالكلمات الوردية والوعود الفخمة بقصد متعمد لعدم الوفاء بهذه الوعود”.

18 آذار 2021

عن Albadeel Alsheoi

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حول أوضاع المرأة الريفية في العراق

اقبال صلال من المعروف إن الزراعة هي المحرك الأساسي في المجتمعات الريفية، ومن المعروف ايضا إن ...

الثامن من اَذار 2024، تحديات وافاق النضال النسوي التحرري في المنطقة

يمر النظام الراسمالي حاليا باحدى اكبر واعمق ازماته التاريخية. ويبدو ان احدى بؤر هذه الازمة ...

حول حركة سلم الرواتب

جلال الصباغ    "الصورة لا تزال غامضة، لكن يجب في كافة الأحوال تعديل سلّم الرواتب القليلة ...

ما بين أجور نائب وعامل

طارق فتحي نشرت بعض وسائل الاعلام التكلفة الاجمالية لمجلس النواب في العراق، والمكون من 325 ...

إقليم كوردستان، إفلاس السلطة وعجز الحركات الاحتجاجية

نادر عبدالحمید إن مزيجا من إفلاس السلطة وعجز الحركات الاحتجاجية لفرض التراجع على هذه السلطة ...