كوردستان العراق، إطالة عمر البرلمان ومتاهات المعارضة

نادر عبدالحمید

كان السادس من تشرين الثاني (٦-١١-٢٠٢٢) آخر أيام الدورة الخامسة لبرلمان إقليم كردستان العراق، قبله، وفي بداية تشرين الأول، جرت نقاشات داخل صالة البرلمان بشأن تمديد الموعد النهائي لهذه الدورة وتأجيل الانتخابات البرلمانية المقررة نهاية عام (٢٠٢٢).

رغم أن المعارضة حاولت جاهدة داخل قاعة البرلمان، عبر “قرع الطبول والنفخ في الصافرات، وإعلاء صوت الاعتراض بعدم المساومة على تمديد فترة البرلمان” كما قال رئيس كتلة (الجيل الجديد)، لكن الأغلبية صوتت في (٩-١٠-٢٠٢٢) لصالح التمديد لأكثر من عام، أي حتى (٣١-١٢-٢٠٢٣).

هكذا، تم صب ماء بارد على رأس المعارضة البرلمانية؛ القومية النيوليبرالية (الجيل الجديد) والمعارضة الإسلامية، أي حزبي (الإتحاد الإسلامي الكوردستاني) و(جماعة العدل الكوردستانية).

في الواقع، لم يبقيا الحزبين الحاكمين (الديمقراطي الكوردستاني) و(الاتحاد الوطني)، أية مساحة واقعية وعملية للمعارضة البرلمانية وجعلا قواعد اللعبة البرلمانية مهزلة مثيرة للضحك، لأنه خلال شراكتهما السياسية والإقتصادية، قاما باحتكار سوق كوردستان، والاستلاء على حقول النفط والتجارة الخارجية وقطاع العقارات، … وتمكنا من تحجيم اعتراضات  العمال والكادحين في كوردستان من خلال قواتهما الميليشية والأمنية، وماكنة اعلامهم الضخمة، وبدعم من الدول الإمبريالية ذات المصالح في العراق، علاوة علی التنسيق مع اجندات الدول الرجعية في المنطقة، ولن يتخليا بسهولة عن هذە المصالح عبر تداول السلطة من خلال لعبة الإنتخابات البرلمانية. إنهما يمثلان الرأسمال الاحتكاري المهيمن والمتحكم بمصير الإقليم ولا يباليان حتی بنقد الليبراليين القوميين والإسلاميين داخل البرلمان من أجل تجميل وجه نظامهم الرأسمالي كي لا يُستهدف من قبل العمال والكادحين.

تشويه هذە الصورة الواقعية للإقليم من قبل وسائل اعلام المعارضة البرلمانية (القومية والإسلامية)، وتقديم صورة مفادها، إن المشكلة الأساسية في مجتمع كوردستان، تكمن في صراع هذه المعارضة ضد الاحزاب الحاكمة في الإقليم.

إذا كان هناك فساد وانتهاكات قانونية، واختلاس للأموال العامة وظهور أصحاب الملايين في مدة زمنية قصيرة، وإذا كانت هناك بطالة واسعة وفقر وغلاء المعيشة، وتأخير رواتب العمال والموظفين، وإذ كانت هناك جرائم قتل المرأة بصورة مستمرة وهجرة الشباب الجماعية إلى خارج البلاد، وإذ کانت كل هذه قد فُرضت كحالة طبيعية على حياة الجماهير في كوردستان، … ومردها، كما تدعي المعارضة ، عدم اللياقة والتخطيط وقلة الخبرة لدی المسؤولين الحكوميين وقادة‌ الأحزاب الحاكمة في الإقليم، وعدم ولائهم للوطن والأمة والدين! لذا ، وباعتقاد نفس هذه المعارضة ، فأن تغيير أحزاب السلطة والمسؤولين الحكوميين من خلال الانتخابات البرلمانية وتولي السلطة من قبل المعارضة، وتشكيلهم لدولة الكفاءات من المختصين التكنوقراط، سوف تحل كل هذه المشاكل تلقائيًا!!

تكشف هذه النظرة السياسية، أولاً وقبل كل شيء، الأفق المشترك للمعارضة مع السلطة، حيث تغطي نظامًا طبقيًا وبنياناً اقتصاديًا للرأسمالية النيوليبرالية الذي ترتكز وتقف عليه حكومة الإقليم وسلطة الأحزاب الميليشية. نظام متشابك مع النظام الرأسمالي العالمي، كما بين في المؤتمر المشترك الذي عقدته حكومة الإقليم والبنك الدولي بدعم من الأمم المتحدة بتاريخ (٣٠-٥-٢٠١٦) في أربيل، تحت عنوان “الإصلاح في اقتصاد إقليم كوردستان العراق”، حيث تم وضع استراتيجية وخطة للإصلاح الاقتصادي لإقليم كوردستان، وشَكَرهُما رئيس الإقليم آنذاك (مسعود البارزاني) في رسالة بتاريخ (٩-٦-٢٠١٦).

كان المعنى الحقيقي لهذا الإصلاح الاقتصادي هو تخلي حكومة الإقليم عن النفقات العامة؛ كالصحة والتعليم، ووقف التوظيف في القطاع العام وتقليل عدد العمال والموظفين، وزيادة الضرائب على المواطنين، وتسليم قطاع الخدمات إلى الشركات التي تنتمي كل واحدة منها لأحدى الأحزاب الحاكمة لنهب جيوب الجماهير. وقد تم إعطاء دفعة قوية لهذه العملية الإصلاحية النيوليبرالية من قبل الحكومة التاسعة الحالية، ومضت في طريقها بخطوات أكبر وأسرع.

هذا الوضع، خلافا لوجهة نظر المعارضة وتفسيرها السياسي، ليس نتيجة عدم لياقة وكفاءة بعض القادة السياسيين والحكوميين، بل هو نتيجة الخطة الواعية والمستهدفة للإصلاح الاقتصادي النيوليبرالي لحكومة الإقليم بتوجيه ودعم من قبل الدول الإمبريالية وبمباركة مؤسساتها الاقتصادية والمالية العالمية.

أصبح اقليم كردستان، ومنذ أكثر من عقد، جزءًا عضويًا من السوق الرأسمالية العالمية، وحُددت لها دور تزويد هذه السوق بالنفط والغاز، وليس إنتاجهما لتوفير الخدمات العامة للجماهير داخل الإقليم، والسلطة السياسية في هذا الإقليم متناغمة مع الإستراتيجيات الاقتصادية والأجندات السياسية للدول الإمبريالية، الأمريكية منها خاصةً، وكذلك مع سياسات الدول الرجعية في منطقة الشرق الأوسط.

إن تراكم رؤوس الأموال والثروات، وبشكل هائل لدی الرأسماليين من جهة، وانتشار الفقر والبطالة والجوع لدی الجماهير من جهة اخری، خاصة في العقد المنصرم، أديا إلی استقطاب المجتمع، ليس فقط في الوضع الإقتصادي والإجتماعي، بل وفي الوضع السياسي والفكري كذلك، حيث، مقابل تطور احتجاجات وسخط مختلف شرائح المجتمع، إزداد قمع وعنف حكومة إقليم كوردستان وقوات الميليشيات التابعة للأحزاب الحاكمة ضد الجماهير.

اليوم ، يدرك رؤساء الأحزاب الحاكمة والمسئولين الحكوميين الفجوة الهائلة بينهم وبين الجماهير، ويشعرون بالكراهية العميقة في قلوب الناس ضدهم في هذا الإقليم، وهذا ما يُشكل مصدر قلق لدی الدول الإمبريالية والحكومات الرجعية في منطقة الشرق الأوسط، ومع ذلك، فإن أي تغيير في الوضع السياسي الحالي؛ أي التغيير في المعادلات السياسية وتوازن القوى بين مختلف أجنحة البرجوازية في الإقليم، عبر الإنتخابات البرلمانية وتداول السلطة، بين الأحزاب الحاكمة وأحزاب المعارضة، يفتح الباب ليس فقط لمستقبل غير آمن وغير واضح للبرجوازية المحلية في إقليم كردستان العراق فحسب، بل يضغط علی الدول الرجعية المجاورة والدول الإمبريالية الغربية لإعادة تعريف وترسيم أجنداتها في هذا الإقليم.

لذا ومن هذا المنطلق، فإن الحفاظ على الهيكل الحالي لسلطة الإقليم المتشكلة بصورة رئيسية من الحزبين (الديمقراطي الكوردستاني) و(الاتحاد الوطني الكوردستاني) ليس فقط في مصلحة البرجوازية المحلية، بل وأيضا في مصلحة الدول الرجعية المجاورة والدول الإمبريالية، رغم كل الادعاءات في دعمهم لإجراء الإنتخابات البرلمانية في موعدها المحدد.

رغم عدم وصول الحزبين الرئيسيين الحاكمين (الديمقراطي والاتحاد)، إلی إتفاق حول كيفية إجراء العملية الانتخابية في الإقليم وآلياتها، إلا إنه ليس هو السبب الرئيسي في إطالة عمر البرلمان، وكذلك رغم تراجع أحزاب السلطة وتقدم المعارضة بعض الشيء في الإقليم في الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة (٢٠٢١)، إلا إنه ليس خوفًامن هذه الحالة ، بل وفي المقام الأول خوفًا من الجماهير الكادحة والمعترضة التي عاشت تحت حكمهم على مدى السنوات الأربع الماضية ظروفا معيشية أسوأ بكثير مما عانوها سابقا تحت حكمهم، مع تزايد في القمع وخنق الحريات. فإذا واجهت أحزاب السلطة في الانتخابات السابقة في (٢٠١٨) و (٢٠٢١) نسبة مشاركة ضئيلة جدًا من الجماهير في التصويت وتدنت نسبة الأصوات التي حصلوا عليها، فمن المؤكد أنهما يخشيان اليوم أكثر بكثير من مقاطعة الجماهير وتدني الأصوات، لذا فمن الأحسن لهم دفع هذا الخوف وابعاده قدر الإمكان.

إن إجراء الانتخابات البرلمانية أو تأجيلها لن يغير شيئا من حقيقة كون مؤسسة البرلمان تم تأسيسها بشكل أساسي لسلب إرادة الجماهير وإضفاء الشرعية على الإرادة المفروضة للطبقة المالكة والحاكمة علی المجتمع، لكن كون العملية الانتخابية وكل ما يتعلق بقضية البرلمان كإطالة عمره مسألة سياسية وتصبح وسيلة بيد الأحزاب والحركات السياسية في التأثير الفكري والسياسي علی الطبقات والشرائح والفئات الاجتماعية، لذا تؤثر علی مجری نضال الكادحين صوب الخلاص من سلطة الطبقة البرجوازية الحاكمة، ومن هنا فأن الموقف تجاهها يكتسب أهمية سياسية نضالية للطبقة العاملة.

لكن ورغم ذلك، فان طريق الخلاص والتحرر من براثن النظام الرأسمالي وويلات سلطة البرجوازية المتمركزة في حكومة الإقليم، ليس طريق النضال البرلماني، بل طريق الإرتقاء باحتجاجاتهم نحو حركة طبقية موحدة قوية في المجتمع بأفق أممي إشتراكي، والنزول إلی ساحة المعركة ضد سلطة البرجوازية القومية الكوردية وحكومتها الإقليمية.

تتمثل المهمة المباشرة للشيوعيين في أن يكونوا فاعلين في هذا الاتجاه وفي ربط هذا النضال بالنضال العام للعمال والكادحين علی صعيد العراق ضد سلطة البرجوازية في الدولة المركزية.

تشرين الثاني ٢٠٢٢

عن Albadeel Alsheoi

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

جريدة الغد الاشتراكي العدد 37

القراء الأعزاء صدر العدد (٣٧) من جريدة ( الغد الاشتراكي ) وهي تغطي ابرز الأحداث ...

حول أوضاع المرأة الريفية في العراق

اقبال صلال من المعروف إن الزراعة هي المحرك الأساسي في المجتمعات الريفية، ومن المعروف ايضا إن ...

الثامن من اَذار 2024، تحديات وافاق النضال النسوي التحرري في المنطقة

يمر النظام الراسمالي حاليا باحدى اكبر واعمق ازماته التاريخية. ويبدو ان احدى بؤر هذه الازمة ...

حول حركة سلم الرواتب

جلال الصباغ    "الصورة لا تزال غامضة، لكن يجب في كافة الأحوال تعديل سلّم الرواتب القليلة ...

ما بين أجور نائب وعامل

طارق فتحي نشرت بعض وسائل الاعلام التكلفة الاجمالية لمجلس النواب في العراق، والمكون من 325 ...