بدأ العام الدراسي الجديد في العراق (٢٠٢٣/٢٠٢٤) يوم الأحد المصادف (١-١٠-٢٠٢٣)، الإحصاءات الرسمية لوزارة التربية تقول بأن ١٣ مليون تلميذ وطالب دخلوا مدارسهم في هذا اليوم، سكان العراق حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء بلغ عام ٢٠٢١ حوالي (٤٠ مليون نسمة) وهذا يعني بان حوالي ٣٢٪ من سكان العراق سيدخلون المدارس، انه حقا رقم يثلج الصدور!! وفقا لهذه الاحصائيات، من المفروض ان تكون وزارة التربية والجهات المسؤولة قد وفرت جميع المستلزمات الضرورية لهؤلاء التلاميذ والطلبة والهيئات التعليمية والتدريسية لإنجاح هذه العملية، بدأ من الأبنية المدرسية بجميع محتوياتها من رحلات وسبورات ومختبرات، مرورا بالكتب والدفاتر واللوازم الأخرى وصولا الى توفير وتهيئة العدد الكافي من الكوادر التعليمية والتدريسية والهيئات الإدارية وما الى ذلك من مستلزمات ضرورة أخرى.
نظرة بسيطة الى الواقع التعليمي في العراق يقول عكس ذلك تماما، فخلال السنوات الأخيرة شهد هذا القطاع إهمالاً حكومياً كبيرا وواسعا، ما أدى إلى تراجعه إلى أدنى مستوياته. وزارة التربية في العراق، وهي المشرفة على العملية التربوية/ التعليمية، وكجميع الوزارات الأخرى، خصوصا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣، بدأت تسير نحو الانحدار، فقد شهد العراق اهمالا حكوميا واضحا لهذا القطاع الحيوي والمهم مما أدى الى تراجعه الى أدنى المستويات. هذه الوزارة، وكما هو الحال بالنسبة لجميع الوزارات الأخرى، تخضع الى نظام المحاصصة الطائفية والقومية، وكوادرها بدأ من أعلى المناصب الى ادناه، يتم اختيارهم، لا وفقا للكفاءة والقدرة و النزاهة، بل وفقا لانتمائهم الطائفي القومي وولائهم للجهة التي يخضعون لأمرتها.
التلاميذ والطلبة والذين هم المحور الأساس في هذه العملية، وخلال تواصلهم في الدراسة، تزداد معاناتهم يوميا، فالأبنية المدرسية أما متهالكة أو نظرا لقلتها تضطر إدارات المدارس الى تكديس الطلبة في الغرف الدراسية، أما المناهج، وخصوصا الدينية والخرافية منها، والتي بلغت ذروتها ، فهي لا تتناسب مع القدرات الجسدية والعقلية للتلاميذ لذا يضطرون الى عملية الحفظ والتلقين و الترديد دون فهم، وبهذه المناسبة لابد أن نأتي الى الحديث عن أيام العطل، والمناسبات الدينية على وجه الخصوص، التي يتميز بها العراق دون غيره من البلدان والتي تقترب من أيام الدوام الرسمي. المعضلة الأخرى التي تثقل كاهل أولياء الأمور هي الكتب واللوازم المدرسية التي يضطرون الى شرائها وبأثمان باهضه من المكتبات الاهلية، أما مشاكل الكوادر التعليمية فحدث ولا حرج، فنظرا لقلة توفير الوظائف التعليمية والتعيين على الملاك الدائم، تضطر إدارات المدارس الى الاستعانة بالخريجين كمحاضرين لملء الشواغر، وذلك بعد أن يضطر المحاضر الى ملء هذه الفراغات في بداية عمله بالمجان (محاضرون يعملون بالمجان) ثم تُصرف لهم أجور زهيدة لقاء هذه المحاضرات مع العلم هناك الآلاف من الخريجين العاطلين عن العمل. أضف الى كل ذلك قلة الدورات التي تنمي قدرات هذه الكوادر التعليمية والتدريسية بحيث يواكبون سرعة التطورات العلمية. أوضاع التلاميذ والطلبة داخل المدارس هي الأخرى تقع ضمن دائرة هذه المعاناة، فالتأنيب والضرب لازال أسلوب متبع يُمارس في مدارس العراق .
لنأتي الآن الى الآفة الكبرى والتي هي الفقر الذي أصبح واقعا مريرا في العراق، وحسب احصائيات وزارة التخطيط لعام ٢٠٢٠ فأن ما يقارب من عشرة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، أي ما يعادل ٢٥٪ من نسبة السكان، وهو ما دفع بما يقارب مليون طفل أن يكونوا خارج أسوار المدرسة مضطرين الى العمل لتأمين مورد عيش لهم ولعوائلهم، ناهيك عن كونهم يصبحوا فريسة سهلة لجشع الرأسماليين. أما الخصخصة وتطبيق السياسة الاقتصادية النيو ليبرالية التي تنتهجها السلطة الحاكمة، فهو الآخر ساهم بدوره في تردي الواقع التعليمي في المدارس الحكومية، فظاهرة المدارس الخاصة أصبحت شائعة في هذا البلد، وقد تم توفير كافة التسهيلات للقطاع الخاص لفتح المدارس الأهلية. إزاء كل هذه الأوضاع المتردية لا نستغرب أن تقدر الأمم المتحدة نسبة الأمية في العراق بحدود ١١ مليون أمي وان هذه النسبة ترتفع بين الاناث مقارنة بالذكور وبين سكان الأرياف مقارنة بالمدن.
ان الواقع التعليمي في العراق لا يختلف عن الوضع العام الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه البلد في ظل النظام الطائفي القومي الجاثم على رقاب الشعب منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣. فبعد أن كان العراق خلال السبعينات من القرن الماضي، وحسب تصنيف منظمة اليونسكو التابع للأمم المتحدة أحد أفضل النظم التعليمية على مستوى العالم. أصبح الآن خارج التصنيف العالمي لمعايير جودة التعليم ويقف مع كل من ليبيا والسودان واليمن والصومال في مؤخرة هذا التصنيف.
أما في إقليم كوردستان فان الأوضاع ليست بأفضل من بقية مناطق العراق، فبالإضافة الى المشاكل آنفة الذكر التي ترافق العملية التعليمية، هناك مشكلة عدم صرف الرواتب لكافة موظفي الاقليم لعدة أشهر ومن ضمنهم الكوادر التعليمة ، لذا فان الدراسة، وخاصة في المنطقة التي تخضع لسيطرة الاتحاد الوطني، وحتى كتابة هذا المقال، معطلة تماما نظرا لإضراب المعلمين والمدرسين الذين يطالبون بمستحقاتهم المالية، أما المنطقة الخاضعة لسيطرة الحزب الدمقراطي فان القمع يقف بالمرصاد لكل من يحاول حتى الحديث عن الأضراب.
وأخيرا، ومن باب التذكير فقط، هناك مادة في الدستور العراقي (المادة ٣٤) تنص على ان (التعليم المجاني حق لكل العراقيين في كل مراحله) !!.
عبدالله صالح
٤ / ١٠ / ٢٠٢٣