(الرأسمالي الذي يصنع التابوت، يبتهج لانتشار الطاعون – ماركس)
(الحرب ليست ظاهرة مُستقلة، ولكنها امتداد للسياسة بطرق مختلفة – كارل فون كلاوزفيتز)
مع مقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في مقر اقامته بطهران صبيحة يوم ٣١ / تموز / ٢٠٢٤ ، وذلك بعد يوم واحد من حضوره مراسم تنصيب ( بزيشكيان) كرئيس لإيران، وبعد السفر الأخير لنتياهو الى أمريكا وما لقيه هناك من حفاوة وترحيب، دخل الصراع الدامي الجاري الآن في غزة على وجه الخصوص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام مرحلة جديدة.
هذا الاغتيال، وعلى الرغم من ان إسرائيل لم تؤكد أو تنفي تورطها فيه، الا أن تأريخ بلطجة إسرائيل لا يدع أي مجال للشك في كونها هي من نفذت هذه العملية. ان عملية الاغتيال هذه محاولة مدروسة وأهدافها واضحة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والفاشية التي تعيش مأزقاً سياسياً وعسكرياً واقتصاديا.
أحد هذه الأهداف هو استحالة وقف إطلاق النار في قطاع غزة وأي اتفاق لإنهاء قتل الأبرياء هناك، مما يجعل من المستحيل التوصل إلى أي حل سياسي لإنهاء مآسي الشعب الفلسطيني وإمكانية توفير حياة آمنة وحرة له، سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة. هذه الحكومة اليمينية الفاشية تعد نفسها في حل من أي التزام بسلام لم تؤمن به يوما قط.
أما الهدف الآخر، فهو توسيع الحرب في الشرق الأوسط من خلال استفزاز إيران وإجبارها على الدخول في القتال مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية، وجر أمريكا وحلف شمال الأطلسي إلى هذه الحرب كوسيلة للخروج من المأزق واليأس السياسي والعسكري الإسرائيلي. وكذلك الخروج من العزلة العالمية والأزمة الاجتماعية والسياسية الداخلية لدولة إسرائيل.
أما فيما يتعلق بإيران، فقد أعلن المسؤولون رسميا بأن الإجراء الإسرائيلي لن يمر دون رد. وبغض النظر عن أي عمل انتقامي من جانب إيران أو حزب الله أو حماس أو الأذرع الأخرى لإيران في المنطقة، فإن الحكومة الإسرائيلية، بهذه العملية الإرهابية، أدخلت المنطقة في مرحلة حساسة وخطيرة، فقد خيمت ضلال الحرب على المنطقة ككل وانعدام الأمن والإرهاب في المنطقة أثر على حياة الناس، ومع انطلاق الحرب الإقليمية وتصاعد أعمال القتل والارهاب، فان الثمن ستدفعه الجماهير في المنطقة بصورة عامة وفي قطاع غزة ولبنان وسوريا بالدرجة الأساس، وكذلك الشعب في إسرائيل الذي يريد غالبيته إنهاء هذه الإبادة الجماعية وتوفير حياة سلمية وعيش آمن مع الشعب الفلسطيني.
إن الحكومة الأمريكية، بادعاءاتها الكاذبة والمنافقة حول “إنهاء الحرب في غزة ومحاولة تخفيف التوترات في المنطقة”، لا يمكنها إخفاء حقيقة كونها العامل الرئيسي، ليس فقط في استمرار مذبحة الشعب الفلسطيني، بل أيضا في استمرار تدهور الأوضاع في المنطقة برمتها وذلك في سباق على مناطق النفوذ مع القطب الآخر الصين أولا ثم روسيا.
لقد كانت إسرائيل وما زالت وستبقى رأس الرمح لأمريكا وحليفاتها في منطقة الشرق الأوسط وهي الاستراتيجية المعمول بها منذ تأسيس دولة إسرائيل ولحد الآن. واليوم أمريكا، وبدعمها العسكري والاقتصادي والسياسي والأمني والاستخباراتي اللامحدود لحكومة إسرائيل الفاشية والتغطية على سياساتها الإجرامية وإطلاق يدها لارتكاب أبشع المجازر، تعتبر الشريك الرئيسي في جميع هذه الجرائم.
وهنا لا بأس من ذكر بعض الاحصائيات التي أوردتها (صفحة عرب ٤٨ الالكترونية) كي تتوضح أكثر همجية هذه الحرب، وهذا التوحش الذي لم يسلم منه حتى الأطفال الخُدّج، ونحن في اليوم (٣٢٢ من الحرب ، ٢٣ / ٨ /٢٠٢٤) أما الإحصائية التالية فهي لليوم( ٣١٥).
بلغ عدد المفقودين والقتلى حوالي( ٥٠ الف )ومنهم ما يقارب( ١٧ الف طفل)، عدد الإصابات أكثر من( ٧٥ الف )اصابة، عدد النازحين حوالي ٨٥٪ من سكان القطاع أي ما يقارب( ٢٠٤ )مليون نسمة اضطروا للفرار من منازلهم، تدمير( ٧٠ الف )وحدة سكنية تدميرا كاملا و( ٢٩٠ الف )وحدة سكنية بشكل جزئي، (٦٠ ألف) سيدة حامل تقريبًا مُعرَّضة للخطر لانعدام الرعاية الصحية ( ٣٥٠ألف) مريض مزمن في خطر بسبب منع إدخال الأدوية، خمسة آلاف معتقل، أما عدد المجازر الجماعية فقد بلغ (٣٤٩٣) مجزرة ارتكبها الجيش الاسرائيلي،( ٨٨٥) قتيل من الطواقم الطبية، ( ٨٢) قتيل من الدفاع المدني، (١٦٨) قتيل من الصحفيين.
نظرة سريعة على مواقف الدول العربية إزاء هذه الأوضاع تُثبت ومن دون أدنى شك زيف الشعارات القومية التي كانوا ينادون بها عن القضية الفلسطينية، وبجملة واحدة يمكننا القول بأن ” العروبة ” قد عفى عليها الزمن. ان مساعي هذه الدول اليوم تنصب على خلق أجواء لتراكم رأس المال ومصالحه خصوصا لدى دول الخليج، وان عملية التطبيع التي جرت بين قسم من هذه الدول وإسرائيل تأتي في هذا السياق، فالتحالفات الهادفة لبناء تكتلات اقتصادية استراتيجية عملاقة وربطها مع الأقطاب الرأسمالية بالنسبة لهذه البلدان هدف يسموا على جميع الاعتبارات.
مما لا شك فيه أن كبح جماح آلة القتل الجماعي وإرهاب الحكومة الإسرائيلية، وداعميها الرئيسيين ودرء أخطار الحرب والدمار والصراعات العسكرية في المنطقة، يحتاج الى توحيد جهود جميع أحرار العالم، عمالا وكادحين، شابات وشباب ودعاة السلام من أجل وقف هذا التوحش الهمجي، ومن أجل تحقيق السلام الحقيقي في الميدان.
ان تحقيق هذا المطلب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يحتاج إلى الحضور القوي للطبقة العاملة العالمية كطبقة واحدة موحدة لوقف هذه المجازر والإرهاب والإبادة الجماعية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية!
٢٣ / ٨ /٢٠٢٤
هذا المقال منشور في العدد 41 من جريدة الغد الاشتراكي.